للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب السياسة الشرعية، في مسألة فضل وشرف القتال في سبيل الله، بدلالة التلازم.

وجه الاستنباط: القتال الديني كما عبر الشيخ، دلت الآية على شرفه، لأنه قتال في سبيل الله، يهدف إلى إقامة التوحيد والحق والعدل، ولتحقيق الأمن الذي من خلاله تقام الشعائر والعبادات على الصورة التي يرتضيها الله، أما القتال المدني، كما ظهر في هذا العصر، فهو في سبيل الطاغوت وخاصة الطواغيت في هذا العصر، الذين يريدون فرض سيادتهم على الناس بالقهر والطغيان، ولا يهمهم إقامة شعائر الدين فهؤلاء لا يعد قتالهم في سبيل الله وإن كانوا مسلمين في ظاهرهم.

قال أبو جعفر: "يعني تعالى ذكره: الذين صدقوا الله ورسوله، وأيقنوا بموعود الله لأهل الإيمان به (يقاتلون في سبيل الله)، يقول: في طاعة الله ومنهاج دينه وشريعته التي شرعها لعباده، (والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت)، يقول: والذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم (يقاتلون في سبيل الطاغوت)، يعني: في طاعة الشيطان وطريقه ومنهاجه الذي شرعه لأوليائه من أهل الكفر بالله" (١).

قال الرازي: "واعلم أنه تعالى لما بين وجوب الجهاد بين أنه لا عبرة بصورة الجهاد، بل العبرة بالقصد والداعي، فالمؤمنون يقاتلون لغرض نصرة دين الله وإعلاء كلمته، والكافرون يقاتلون في سبيل الطاغوت، وهذه الآية كالدلالة على أن كل من كان غرضه في فعله رضا غير الله فهو في سبيل الطاغوت، لأنه تعالى لما ذكر هذه القسمة وهي أن القتال إما أن يكون في سبيل الله، أو في سبيل الطاغوت، وجب أن يكون ما سوى الله طاغوتا، ثم إنه تعالى أمر المقاتلين في سبيل الله بأن يقاتلوا أولياء الشيطان، وبين أن كيد الشيطان كان ضعيفا، لأن الله ينصر أولياءه، والشيطان ينصر أولياءه ولا شك أن نصرة الشيطان لأوليائه أضعف من نصرة الله لأوليائه، ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وإن كانوا حال حياتهم في غاية الفقر والذلة، وأما الملوك والجبابرة فإذا ماتوا انقرض أثرهم ولا يبقى في الدنيا رسمهم ولا ظلمهم" (٢).

وقال أبو زهرة: "إذا كان الكافرون يقاتلون في سبيل الطغيان، والظلم والسيطرة والفتنة في الدين، وإكراه الناس، حتى لَا يستمروا على إيمانهم، فإن على المؤمنين أن يقاتلوهم؛ لأنهم نصراء الشيطان، أو الذين دخلوا في ولايته" (٣).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (٨/ ٥٤٦).
(٢) مفاتيح الغيب (١٠/ ١٤٢).
(٣) زهرة التفاسير (٤/ ١٧٦٧).

<<  <   >  >>