للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الأيمان باليوم الآخر، في مسألة وصف النار للتحذير من الأسباب المؤدية إليها، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: لما تقرر وصف النفاق وأهله والتحذير منه، بالغ في وصف عذاب أهله وأنهم وإن اجتمعوا مع الكفار وغيرهم ممن حق عليهم العذاب إلا أن هؤلاء بإبطانهم الكفر وإظهارهم الإيمان أشد منهم، ولذا كان عذابهم أشد، فهم في أسفل دركات النار، كما أن درجات المؤمنين في الجنة تختلف كل بحسب عمله، فهذا من فضل الله، وذاك من عدله.

قال ابن عطية: "أخبر تعالى عن المنافقين أنهم فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من نار جهنم، وهي أدراك بعضها فوق بعض طبقة على طبقة، أعلاها هي جهنم وقد يسمى جميعها باسم الطبقة العليا، فالمنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر هم في أسفل طبقة من النار، لأنهم أسوأ غوائل من الكفار وأشد تمكنا من أذى المسلمين" (١).

قال الرازي: "وظاهره أن جهنم طبقات، والظاهر أن أشدها أسفلها، قال الضحاك: الدرج إذا كان بعضها فوق بعض، والدرك إذا كان بعضها أسفل من بعض" (٢).

وقال القرطبي: "والنار دركات سبعة، أي طبقات ومنازل، إلا أن استعمال العرب لكل ما تسافل أدراك، يقال: للبئر أدراك، ولما تعالى درج، فللجنة درج، وللنار أدراك، وقد تقدم هذا، فالمنافق في الدرك الأسفل وهي الهاوية، لغلظ كفره وكثرة غوائله وتمكنه من أذى المؤمنين، وأعلى الدركات جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية، وقد يسمى جميعها باسم الطبقة الأولى، أعاذنا الله من عذابها بمنه وكرمه" (٣).

وقال البيضاوي، والنسفي، وأبو حيان، وأبو السعود (٤): أنها دركات متتابعة بعضها تحت بعض.

[[تعظيم شأن المؤمنين وأن العاقبة لهم وتخسيس حظ الكافرين]]

قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)} [سورة النساء: ١٤١]


(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ١٢٨).
(٢) مفاتيح الغيب (١١/ ٢٥١).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٤٢٥).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٠٥)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٠٨)، البحر المحيط في التفسير (٤/ ١١٢)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ٢٤٧).

<<  <   >  >>