للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الشفاعة، في مسألة أن السعادة الأخروية مبنية على حسن العمل، لا على الانتساب للآباء من الأنبياء والمرسلين، بدلالة التكرار.

وجه الاستنباط: تحقيق السعادة مرتبط بعمل الإنسان وكسبه ومتابعته لهدي الرسل والانبياء، وعليه يكون جزاؤه في الآخرة، وهذا ما أفادته إعادة الآية بنصها، وانتفاء الانتفاع بالأنبياء والصالحين، أو بتقليد الآباء والأجداد على ما هم عليه من عقائد وعبادات فاسدة، وهذه قاعدة شرعية متواترة في نصوص الشريعة، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [سورة الإسراء: ١٣]، وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [سورة المدثر: ٣٨].

قال بعض المفسرين: وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم، من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر الله واتباع رسله، الذين بعثوا مبشرين ومنذرين، فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل، ولا سيما من كفر بسيد الأنبياء، وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من سائر المكلفين (١).

وقد وافق الشيخ في حكمة تكرار الآية ابن سعدي حيث قال: "كررها، لقطع التعلق بالمخلوقين، وأن المعول عليه ما اتصف به الإنسان، لا عمل أسلافه وآبائه، فالنفع الحقيقي بالأعمال، لا بالانتساب المجرد للرجال" (٢)، ومثلهم الزمخشري، والبيضاوي، والألوسي، وأبو السعود (٣).

[[مدح الفقه وإعمال العقل، وذم التقليد وأنه الداء المورث للجهل والفساد]]

قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)} [سورة البقرة: ١٤٢]

١٩. قال الشيخ -رحمه الله-: "ابتدأ الكلام في هذه المسألة ببيان ما يقع من اعتراض اليهود وغيرهم على التحويل وإخبار الله نبيه والمؤمنين به قبل وقوعه، وتلقينهم الحجة البالغة عليه والحكمة السديدة فيه، ويتضمن هذا بيان سر من أسرار الدين وقاعدة عظيمة من قواعد الإيمان، كان أهل الكتاب في غفلة عنها وجهل بها، فهذه الآيات متصلة بما قبلها في كونها محاجة لأهل الكتاب في أمر الدين؛ لإمالتهم عن التقليد الأعمى فيه، والجمود على ظواهره من غير تفقه فيه ولا نفوذ إلى أسراره وحكمه التي لم تشرع الأحكام إلا لأجلها" (٤).


(١) تفسير القرآن العظيم (١/ ٤٥٢).
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ٧٠).
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ١٩٤)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (١/ ٣٩١)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ٤١٥)، إرشارد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٢١٧).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٤)

<<  <   >  >>