للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائل: ما وجه ارتباط هاتين الآيتين بما يتعلق بشأن العدة للنساء؟ فالجواب: أن ترتيب الآيات توقيفي ليس للعقل فيه مجال؛ والله أعلم بما أراد؛ وقد التمس بعض المفسرين حكمة لهذا؛ ولكن لما لم يتعين ما ذكره أحجمنا عن ذكرها؛ ونَكِلُ العلم إلى منزل هذا لكتاب العظيم، ونعلم أنه لابد أن يكون هناك حكمة، أو حِكَم؛ لأن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم (١).

[[صفات الملك الذاتية المؤهلة للملك]]

قال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)} [سورة البقرة: ٢٤٧]

٤٩. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والمتبادر عندي أن معناه فضّله واختاره عليكم بما أودع فيه من الاستعداد الفطري للملك، ولا ينافي هذا كون اختياره كان بوحي من الله، وتوفيق الله تعالى الأسباب له، وهو ما يعبر عنه بقوله: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) "، "وقد قدم الأركان الثلاثة على الرابع؛ لأنها تتعلق بمواهب الرجل الذي اختير ملكا فأنكر القوم اختياره فهي المقصودة بالجواب، وأما توفيق الله تعالى بتسخير الأسباب التي لا عمل له فيها لسعيه فليس من مواهبه ومزاياه فتقدم في أسباب اختياره، وإنما تذكر تتمة للفائدة وبيانا للحقيقة؛ ولذلك ذكرت قاعدة عامة لا وصفا له" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب السياسة الشرعية، في مسألة صفات الملك الذاتية المؤهلة للملك، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: أن الله بين أسباب اختيار الله للملك، وهي أربعة: (١) الاستعداد الفطري (٢) السعة في العلم الذي يكون به التدبير (٣) بسطة الجسم المعبر بها عن صحته وكمال قواه المستلزم ذلك لصحة الفكر، وللشجاعة والقدرة على المدافعة وللهيبة والوقار (٤) اختيار الله له، وتوفيقه لذلك، ليبين أنها هي الأساس فيمن يتولى الملك.

قال ابن كثير: "ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه" (٣).


(١) تفسير القرآن للعثيمين (٥/ ١٤٠ - ١٤١).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٣٧٨ - ٣٧٩).
(٣) تفسير القرآن العظيم (١/ ٦٦٦).

<<  <   >  >>