للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البيضاوي: " (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) من أجل فقر ومن خشيته، كقوله: خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم منع لموجبية ما كانوا يفعلون لأجله واحتجاج عليه" (١).

قال أبو حيان: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم من هنا سببية أي من فقر لقوله خشية إملاق، وقتل الولد حرام إلا بحقه وإنما ذكر هذا السبب لأنه كان العلة في قتل الولد عندهم، وبين تعالى أنه هو الرازق لهم ولأولادهم وإذا كان هو الرازق فكما لا تقتل نفسك كذلك لا تقتل ولدك. ولما أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين نهى عن الإساءة إلى الأولاد ونبه على أعظم الإساءة للأولاد هو إعدام حياتهم بالقتل خوف الفقر، وجاء التركيب هنا نحن نرزقكم وإياهم، وفي الإسراء نحن نرزقهم وإياكم، فيمكن أن يكون ذلك من التفنن في الكلام ويمكن أن يقال في هذه الآية جاء من إملاق فظاهره حصول الإملاق للوالد لا توقعه، وخشيته وإن كان واجدا للمال فبدأ أولا بقوله: نحن نرزقكم خطابا للآباء وتبشيرا لهم بزوال الإملاق وإحالة الرزق على الخلاق الرزاق، ثم عطف عليهم الأولاد. وأما في الإسراء فظاهر التركيب أنهم موسرون وأن قتلهم إياهم إنما هو لتوقع حصول الإملاق والخشية منه فبدئ فيه بقوله: نحن نرزقهم إخبارا بتكفله تعالى برزقهم فلستم أنتم رازقيهم وعطف عليهم الآباء وصارت الآيتان مفيدتان معنيين. أحدهما: أن الآباء نهوا عن قتل الأولاد مع وجود إملاقهم. والآخر: أنهم نهوا عن قتلهم وإن كانوا موسرين لتوقع الإملاق وخشيته وحمل الآيتين على ما يفيد معنيين أولى من التأكيد" (٢). ومثله عند ابن كثير وزاد عليه: "بدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسببهم، فرزقهم على الله. وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال: {نحن نرزقكم وإياهم}؛ لأنه الأهم هاهنا" (٣).

وقال ابن سعدي: " {ولا تقتلوا أولادكم} من ذكور وإناث {من إملاق} أي: بسبب الفقر وضيقكم من رزقهم، كما كان ذلك موجودا في الجاهلية القاسية الظالمة، وإذا كانوا منهيين عن قتلهم في هذه الحال، وهم أولادهم، فنهيهم عن قتلهم لغير موجب، أو قتل أولاد غيرهم، من باب أولى وأحرى، {نحن نرزقكم وإياهم} أي: قد تكفلنا برزق الجميع، فلستم الذين ترزقون أولادكم، بل ولا أنفسكم، فليس عليكم منهم ضيق" (٤).


(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٨٨).
(٢) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٦٨٧).
(٣) تفسير ابن كثير ت سلامة (٣/ ٣٦٢).
(٤) تيسير الكريم الرحمن (ص: ٢٧٩).

<<  <   >  >>