للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الرازي: "واعلم أن القوم إنما استحقوا هذا اللعن الشديد لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم يجري مجرى المكابرة، فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالا ممن لا يرضى بمعبود غير الله! ومن كان دينه الإقبال بالكلية على خدمة الخالق والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، كيف يكون أقل حالا ممن كان بالضد في كل هذه الأحوال والله، فبين أن اللعن من الله وهو الخذلان والإبعاد، وهو ضد ما للمؤمنين من القربة والزلفى، وأخبر بعده بأن من يلعنه الله فلا ناصر له، كما قال: (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا) [الأحزاب: ٦١] فهذا اللعن حاضر، وما في الآخرة أعظم، وهو يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله، وفيه وعد للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالنصرة وللمؤمنين بالتقوية، بالضد على الضد" (١).

قال أبو حيان: "أولئك الذين لعنهم الله إشارة إلى من آمن بالجبت والطاغوت وقال تلك المقالة، أبعدهم الله تعالى ومقتهم" (٢).

قال أبو السعود: " {أولئك} إشارة إلى القائلين وما فيه من معنى البعد مع قربهم في الذكر للإشعار ببُعد منزلِتهم في الضلال وهو مبتدأٌ خبرُهُ قولُه تعالى: {الذين لَعَنَهُمُ الله} أيْ أبعدهم عن رحمته وطردهم والجملةُ مستأنفةٌ لبيان حالِهم وإظهارِ مصيرِهم ومآلِهم {وَمَن يَلْعَنِ الله} أي يُبعده عن رحمته {فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} يدفع عنه العذابَ دنيويا كان أو أخرويا لابشفاعة ولا بغيرها وفيه تنصيصٌ على حِرمانهم مما طلبوا من قريش وفي كلمة لن وتوجيهِ الخطابِ إلى كل أحد ممن يتسنى له الخطاب وتوحيد النصر مُنكّراً والتعبيرِ عن عدمه بعدم الوجدان المنبئ عن سبق الطلبِ مُسنداً إلى المخاطبَ العامِّ من الدِلالة على حِرمانهم الأبديِّ بالكلية ما لا يخفى" (٣). ومثله قال ابن سعدي (٤).

قال ابن عاشور: "وموقع اسم الإشارة هنا في نهاية الرشاقة، لأن من بلغ من وصف حاله هذا المبلغ صار كالمشاهد، فناسب بعد قوله ألم تر أن يشار إلى هذا الفريق المدعى أنه مرئي، فيقال: (أولئك)، وفي اسم الإشارة تنبيه على أن المشار إليهم جديرون بما سيذكر من الحكم لأجل ما تقدم من أحوالهم" (٥).


(١) مفاتيح الغيب (١٠/ ١٠٢).
(٢) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٦٧٧).
(٣) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ١٨٩).
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ١٨٣).
(٥) التحرير والتنوير (٥/ ٨٧).

<<  <   >  >>