للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عطية: "القصد بهذه الآية النهي عما ذبح للنصب وغيرها وعن الميتة وأنواعها، فجاءت العبارة أمرا بما يضاد ما قصد النهي عنه، ولا قصد في الآية إلى ما نسي فيه المؤمن التسمية أو تعمدها بالترك، وقال عطاء: هذه الآية أمر بذكر اسم الله على الشراب والطعام والذبح وكل مطعوم، وقوله: (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) أي إن كنتم بأحكامه وأوامره آخذين، فإن الإيمان بها يتضمن ويقتضي الأخذ بها والانقياد لها " (١).

قال الرازي: " (الفاء) في قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) يقتضي تعلقا بما تقدم فما ذلك الشيء؟ والجواب قوله فكلوا مسبب عن إنكار اتباع المضلين الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتله الله أحق أن تأكلوه مما قتلتموه أنتم فقال الله للمسلمين إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم الله عليه وهو المذكى ببسم الله" (٢)، ومثله قال البيضاوي والنسفي (٣).

قال ابن عاشور: "وعلم من ذلك أيضا النهي عن أكل الميتة ونحوها، مما لم تقصد ذكاته، لأن ذكر اسم الله أو اسم غيره إنما يكون عند إرادة ذبح الحيوان، كما هو معروف لديهم، فدلت هذه الجملة على تعيين أكل ما ذكي دون الميتة، بناء على عرف المسلمين لأن النهي موجه إليهم، وقوله: إن كنتم بآياته مؤمنين تقييد للاقتصار المفهوم: من فعل الإباحة، وتعليق المجرور به، وهو تحريض على التزام ذلك، وعدم التساهل فيه، حتى جعل من علامات كون فاعله مؤمنا، وذلك حيث كان شعار أهل الشرك ذكر اسم غير الله على معظم الذبائح" (٤).

قال الألوسي: "والمعنى على ما ذهب إليه غير واحد كلوا مما ذكر اسم الله تعالى على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره خاصة أو مع اسمه عز اسمه أو مات حتف أنفه، والحصر -كما قيل- مستفاد من عدم اتباع المضلين ومن الشرط، ولولا ذلك لكان هذا الكلام متعرضا لما لا يحتاج إليه ساكتا عما يحتاج إليه، وادعى بعضهم أن لا حصر واستفادة عدم حل ما مات حتف أنفه من صريح النظم" (٥).


(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٣٣٨).
(٢) مفاتيح الغيب (١٣/ ١٢٨).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٨٠)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٥٣٢).
(٤) التحرير والتنوير (٨ - أ/ ٣٢).
(٥) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٤/ ٢٥٨).

<<  <   >  >>