للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [سورة آل عمران: ١٤٤]، "وفي هذه الآية من الهداية والإرشاد أيضا أنه لا ينبغي أن يكون استمرار الحرب وعدمه متعلقا بوجود القائد بحيث إذا قتل ينهزم الجيش أو يستسلم للأعداء، وإن الأمة التي تقدر هذه الهداية حق قدرها تعد لكل علم تحتاج إليه ولكل عمل تقوم مصالحها به رجالا كثيرين، فلا تفقد معلما ولا مرشدا ولا حاكما ولا قائدا ولا رئيسا ولا زعيما إلا ويوجد فيها من يقوم مقامه ويؤدي لها من الخدمة ما كان يؤديه، فهي لا تحصر الاستعداد لشيء من الأشياء في فرد من الأفراد، ولا تقصر القيام بأمر من الأمور على نابغ واحد من النابغين، قاعدة الاعتماد على التحقق بالعلوم والنهوض بالأعمال دون الاتكال على أفراد الرجال (١).

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [سورة المائدة: ٨٨]، "والأمر بالتقوى في هذا المقام أوسع معنى وأعم فائدة من النهي عن الإسراف في آية الأعراف التي أوردناها آنفا، فهو من باب الجمع بين حقوق الروح وحقوق الجسد، وبه يدفع إشكال من عساه يقول: إن الدين شُرع لتزكية النفس، والتمتع بالشهوات واللذات ينافي التزكية وإن اقتصر فيه على المباحات" (٢).

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} [سورة المائدة: ١٠١]، "وهذه الآية تدل على عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة أو على أنه لا يقع، وقد غفل جمهور الأصوليين عن الاستدلال بها، وبيان ذلك أن ما يسأل عنه إما أن يكون مما يطلب العلم به كالعقائد والأخبار، وإما أن يكون مما يطلب العمل به وهو الأحكام، وتأخير البيان - دع تركه وعدمه - يقتضي الإقرار على الاعتقاد الباطل، أو العمل بغير الوجه المراد للشارع، إلا أن يكون من شرعه تركه الاجتهاد للناس توسعة عليهم، ولا يدخل في هذا ولا ذاك السؤال عن الأمور الشخصية كسؤال من سأل عن ناقته، ولذلك جعلنا هذا النوع من السؤال غاية في خفاء دخوله في عموم: (وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم) فإن كان داخلا فيه فحكمته والله أعلم أن عدم إبداء الجواب للسائل المؤمن ربما كان مشككا له في رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- " (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ١٣٥).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٥).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ١١٤).

<<  <   >  >>