للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [سورة البقرة: ٢٦٩]، "ثم أقول إيضاحا للمقام: إن الله جعل الخير الكثير مع الحكمة في قرن، فهما لا يفترقان كما لا يفترق المعلول عن علته التامة، فالحكمة: هي العلم الصحيح المحرك للإرادة إلى العمل النافع الذي هو الخير، وآلة الحكمة هي العقل السليم المستقل بالحكم في مسائل العلم، فهو لا يحكم إلا بالدليل، فمتى حكم جزم فأمضى وأبرم، فكل حكيم عليم عامل مصدر للخير الكثير؛ ولذلك قال تعالى: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)، أي وقد جرت سنته - تعالى - بأنه لا يتعظ بالعلم ويتأثر به تأثرا يبعث على العمل إلا أصحاب العقول الخالصة من الشوائب، والقلوب السليمة من المعايب، وهو تذييل يؤيد ما تقدم في تفسير الحكمة، فنسأله -تعالى- أن يجعلنا من أولي الألباب المؤيدين بالحكمة وفصل الخطاب" (١).

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [سورة آل عمران: ١٧٩]، قال: "وقرنتم بالإيمان تقوى الله - تعالى - بترك المنهيات، وفعل المأمورات بقدر الاستطاعة، فلكم أجر عظيم لا يقدر قدره لا يعرف كنهه. لز التقوى هاهنا مع الإيمان في قرن، وترتيب الأجر عليهما معا هو الموافق للآي الكثيرة في الذكر الحكيم، وهي أظهر، وأشهر، وأكثر من أن ينبه عليها بالشواهد كلما ذكر شيء منها" (٢).

ـ وقال -رحمه الله-: عند قوله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [سورة الأنعام: ٢٨]، قال: "ويستنبط من الآية أن الطريقة المثلى لإقامة الناس على صراط الحق والفضيلة إنما هي حملهم على ذلك بالعمل والتعويد، مع التعليم وحسن التلقين، كما يربى الأطفال في الصغر، وكما يمرن الرجال على أعمال العسكر، وأن من أكبر الخطأ أن يسمح للأحداث بطاعة شهواتهم، واتباع أهوائهم، بشبهة تربيتهم على الحرية والاستقلال، الذي يهديهم إلى الحق والفضيلة بما يفيدهم العلم في سن الرشد من الاقتناع بطرق الاستدلال" (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ٦٥).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٢٠٩).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٩٧).

<<  <   >  >>