للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبذلك يتبين أن الشيخ رشيد خالف في تعريف الإجماع وأهله، فخلط الإجماع بالمصالح المرسلة، وخلط أهل الإجماع بأهل الحل والعقد، فأخرج منه أهله، وأدخل فيه من ليس منهم.

أما مسألة دلالة الآية على الإجماع من عدمه، فهي من مسائل الخلاف بين علماء الأصول، فمنهم من يرى دلالة الآية على الإجماع، ومنهم من لا يرى ذلك.

وممن قال بعدم دلالة الآية على الإجماع، الإمام الشوكاني فقال: "وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على حجية الإجماع لقوله: ويتبع غير سبيل المؤمنين ولا حجة في ذلك عندي، لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا: هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره، كما يفيده اللفظ، ويشهد به السبب، فلا تصدق على عالم من علماء هذه الملة الإسلامية اجتهد في بعض مسائل دين الإسلام فأداه اجتهاده إلى مخالفة من بعصره من المجتهدين، فإنه إنما رام السلوك في سبيل المؤمنين، وهو الدين القويم والملة الحنيفية ولم يتبع غير سبيلهم" (١).

وقال ابن عاشور بعد أن أورد قول الإمام الشافعي في الاستدلال بهذه الآية على حجية الاجماع: "وقد قرر غيره الاستدلال بالآية على حجية الإجماع بطرق أخرى، وكلها على ما فيها من ضعف في التقريب، وهو استلزام الدليل للمدعي، قد أوردت عليها نقوض أشار إليها ابن الحاجب في «المختصر»، واتفقت كلمة المحققين: الغزالي، والإمام في «المعالم»، وابن الحاجب، على توهين الاستدلال بهذه الآية على حجية الإجماع" (٢)، وكذا قال أبوحيان، والألوسي (٣).

وقال جمع من المفسرين بحجية الإجماع من هذه الآية ومنهم: الرازي، قال في مسائل الآية: "المسألة الأولى: روي أن الشافعي رضي الله عنه سئل عن آية في كتاب الله تعالى تدل على أن الإجماع حجة، فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة حتى وجد هذه الآية، وتقرير الاستدلال أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا، بيان المقدمة الأولى أنه تعالى ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين، ومشاقة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد، فلو لم يكن اتباع غير سبيل المؤمنين موجبا له لكان ذلك ضما لما لا أثر له في الوعيد إلى ما هو مستقل باقتضاء ذلك الوعيد وأنه غير جائز، فثبت أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، وإذا ثبت هذا لزم أن يكون اتباع سبيلهم واجبا، وذلك لأن عدم اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين، فإذا كان اتباع غير سبيل المؤمنين حراما لزم أن يكون عدم اتباع سبيل المؤمنين حراما، وإذا كان عدم اتباعهم حراما كان اتباعهم واجبا، لأنه لا خروج عن طرفي النقيض" (٤).


(١) فتح القدير (١/ ٥٩٤).
(٢) التحرير والتنوير (٥/ ٢٠٢).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٦٧)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٣/ ١٤١).
(٤) مفاتيح الغيب (١١/ ٢١٩)

<<  <   >  >>