للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البيضاوي: "قل لا يستوي الخبيث والطيب حكم عام في نفي المساواة عند الله سبحانه وتعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال وجيدها، رغب به في مصالح العمل وحلال المال، ولو أعجبك كثرة الخبيث فإن العبرة بالجودة والرداءة دون القلة والكثرة، فإن المحمود القليل خير من المذموم الكثير" (١).

وقال أبو حيان: "والظاهر أن الخبيث والطيب عامان فيندرج تحتهما حلال المال وحرامه وصالح العمل وفاسده وجيد الناس ورديئهم وصحيح العقائد وفاسدها والخبيث من هذا كله لا يصلح ولا يحب ولا يحسن له عاقبة والطيب ولو قل نافع جيد العاقب" (٢).

وقال أبو السعود: "عام في نفي المساواة عند الله تعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال وبين جيدها قصد به الترغيب في جيد كل منها والتحذير عن رديئها" (٣).

وقال الشوكاني: "قيل: المراد بالخبيث والطيب: الحرام والحلال، وقيل: المؤمن والكافر، وقيل: العاصي والمطيع، وقيل: الرديء والجيد، والأولى أن الاعتبار بعموم اللفظ فيشمل هذه المذكورات وغيرها مما يتصف بوصف الخبث والطيب من الأشخاص والأعمال والأقوال، فالخبيث لا يساوي الطيب بحال من الأحوال" (٤).

قال ابن عاشور موضح لهذه القاعدة دون الإشارة إليها: "ومعنى لا يستوي نفي المساواة، وهي المماثلة والمقاربة والمشابهة، والمقصود منه إثبات المفاضلة بينهما بطريق الكناية، والمقام هو الذي يعين الفاضل من المفضول، فإن جعل أحدهما خبيثا والآخر طيبا يعين أن المراد تفضيل الطيب. ولما كان من المعلوم أن الخبيث لا يساوي الطيب وأن البون بينهما بعيد، علم السامع من هذا أن المقصود استنزال فهمه إلى تمييز الخبيث من الطيب في كل ما يلتبس فيه أحدهما بالآخر، وهذا فتح لبصائر الغافلين كيلا يقعوا في مهواة الالتباس ليعلموا أن ثمة خبيثا قد التف في لباس الحسن فتموه على الناظرين، ولذلك قال ولو أعجبك كثرة الخبيث، فكان الخبيث المقصود في الآية شيئا تلبس بالكثرة فراق في أعين الناظرين لكثرته، ففتح أعينهم للتأمل فيه ليعلموا خبثه ولا تعجبهم كثرته" (٥)، وأيضا أشار إلى هذه القاعدة أبو زهرة (٦).


(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٤٥).
(٢) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٣٧٥).
(٣) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٨٣).
(٤) فتح القدير (٢/ ٩٢).
(٥) التحرير والتنوير (٧/ ٦٣).
(٦) زهرة التفاسير (٥/ ٢٣٦٨ - ٢٣٦٩).

<<  <   >  >>