للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعد الشيخ محمد رشيد ممن عني عناية فائقة بعلم أصول الفقه، ويظهر ذلك من قوله: "ولما تصدى بعض العلماء في القرن الثاني والثالث لاستنباط الأحكام واستخراج الفروع من أصولها - ومنهم الأئمة الأربعة - كانوا يذكرون الحكم بدليله على هذا النمط، فهم متفقون مع الصحابة والتابعين - عليهم الرضوان - على أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ بقول أحد في الدين ما لم يعرف دليله ويقتنع به، ثم جاء من العلماء المقلدين في القرون الوسطى من جعل قول المفتي للعامي بمنزلة الدليل، مع قولهم بأنه لو بلغه الحديث فعمل به كان ذلك أولى، ثم خلف خلفٌ أعرق منهم في التقليد، فمنعوا كل الناس أخذ أي حكم من الكتاب أو السنة، وعدّوا من يحاول فهمهما والعمل بهما زائغا، وهذا غاية الخذلان وعداوة الدين، وقد تبعهم الناس في ذلك فكانوا لهم أندادا من دون الله، وسيتبرأ بعضهم من بعض كما أخبر الله" (١).

وقد بلغت استنباطات الشيخ الأصولية قرابة ٤٠ استنباطا من جملة ما تم بحثه.

وتنوعت استنباطاته فشملت المسائل الأصولية اللغوية:

ـ مسألة العموم والخصوص، عند قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: ١٧٩]، قال: "خص بالنداء أصحاب العقول الكاملة، مع أن الخطاب عام للتنبيه على أن ذا اللب هو الذي يعرف قيمة الحياة والمحافظة عليها، ويعرف ما تقوم به المصلحة العامة وما يتوسل به إليها" (٢) (٣).

ـ مسالة الأمر أعم من النهي: عند قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [سورة المائدة: ٨٨]، قال: "والأمر بالتقوى في هذا المقام أوسع معنى وأعم فائدة من النهي عن الإسراف في آية الأعراف التي أوردناها آنفا " (٤).

ـ مسألة عطف الخاص على العام: عند قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: ١٨٨]، قال: "ذكر الأكل مجملا عاما، ثم بين نوعا منه خصه بالنهي عنه مع دخوله في العام لما يقع من الشبهة فيه لبعض الناس" (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٦٦).
(٢) انظر تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ١٠٧).
(٣) وانظر مثال آخر: تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ١١٨).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٥).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ١٦٠).

<<  <   >  >>