للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به … فطلعة البدر تغني أن ترى زحلا

قرأت في جزء وقع إلي من رسائل إبراهيم بن أحمد بن الليث، في رسالة له كتبها إلى بعض اخوانه، قال فيها في ذكر أبي نصر المنازي: وأما أبو نصر فعترة الخطابة، وعدة الكتابة، ومنبع العلم، ومعدن الحلم، خدم السلطان في ميعة الصبى وريعان الشبيبة، فعفت عن الدنيا طعمته، وتنزهت عن الرذائل همته، ثم انتقل إلى خدمة مولاه فأدى حجه وقضى حقه، وأحرز من رضاه حظه، فعل من هدي الطريق، وأوتي التوفيق.

قرأت بخط‍ مؤيد الدولة أبي المظفر أسامة بن مرشد بن منقذ في كتابه الذي عنقه لابن الزبير من الشعراء الدين سأله عنهم ليودعهم في كتابه المسمى «جنان الجنان ورياض الأذهان»، فكتب له ما حضر عنده عنهم، وزاد فيه ذكر جماعة غيرهم وقال فيه-وأنبأنا به أبو الحسن بن أحمد بن علي القرطبي عنه-: ومن الشعراء المذكورين أبو نصر المنازي حسن الشعر، سهل الألفاظ‍، صحيح المعاني، مستعذب القول، من حقه أن يتميز عن هذه الطبقة، فمن شعره:

أظاهر بالعتبى إذا أضمرت عتبا … وأسأل غفرانا ولم أعرف الذنبا

وأصدق ما نبيت أني بلوتها … فما سالمت سلما ولا حاربت حربا

هي الشمس حالت دونها حجب خدرها … ولو برزت كان الضياء لها حجبا

إذا جهزت ألحاظها قصد غافل … أغارت على قلب أو استهلكت لبا

ألم يأن في حكم الهوى أن ترّق لي … من المدمع الرّيان والكبد اللهبا

ومن زفرة حرّى إذا ما تقطعت … شعاعا تدّمي الجفن أو تحرق الهدبا

شجتني ذات الطوق عجماء لم تبن … وشيمة عجم الطير أن تشجو العربا

دنا إلفها واختلّ أطراف عيشها … فهاجت لي البلوى (١) وقد هدلت (٢) عجبا

هفا بك متن الغصن لو أنّ قدرة … سلبتك حلى الطوق والغصن الرّطبا

ولكنّ إخوانا أعّد فراقهم … خسارا ولو سافرت أقتنص الشهبا

وخلفت قلبي بالعراق رهينة … لقصد بلاد ما اكتسبت بها قلبا


(١) -كتب ابن العديم في الحاشية: خ: الالوى.
(٢) -الهديل: صوت الحمام. القاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>