وتغيرت نية رضوان على حسين فهرب من حلب الى حمص ومعه زوجته أم رضوان.
ثم تجدد بعد ذلك خروج الفرنج (٩٠ - و) الى أنطاكية، ووصل يغي سغان الى الملك رضوان الى حلب الى خدمة رضوان، وتزوج رضوان بابنته خاتون جيجك، ونزل الفرنج على أنطاكية، وشنوا الغارات على بلد حلب، ووصل ابن يغي سغان الى حلب مستنجدا على الفرنج، فسير رضوان معه عسكر حلب وسكمان، فلقيهم من الفرنج دون عدتهم، فانهزم المسلمون الى حارم، وغلب أهل حارم من الأرمن عليها، وعاد سكمان بن أرتق مفارقا رضوان، وصار مع دقاق.
واستولى الفرنج على أنطاكية، وضعف أمر رضوان، واستمال الباطنية وظهر مذهبهم بحلب، وشايعهم رضوان، واتخذوا دار دعوه بحلب، وكاتبه ملوك الاسلام في أمرهم، فلم يلتفت، ولم يرجع عنهم، ودام على مشايعتهم.
وقوي الفرنج عليه فباع من أملاك بيت المال عدة مواضع للحلبيين، وقصد بذلك استمالتهم، وأن يتعلقوا بحلب بسبب أملاكهم فيها حتى أنه باع في ساعة واحدة ستين خربة من مزارع حلب لجماعة من أهلها وكتب بها كتاب واحد، يذكر حدود كل خربة ومشتريها وثمنها. وكان الكتاب عندي في جملة الكتب التي كانت لوالدي رحمه الله.
وكان الملك رضوان بخيلا شحيحا يحب المال، ولا تسمح نفسه باخراجه، حتى أن أمراءه وكتابه كانوا ينبزونه بأبي حبّة، وذلك هو الذي أضعف أمره، وأفسد حاله مع الفرنج والباطنية. وجدد في حلب مكوسا وضرائب لم تكن، ومع هذا كله كان فيه لطف ومحاسنة (٩٠ - ظ) للحلبيين حتى بلغني أنه مر يوما راكبا ليخرج من باب العراق، فلما وصل الى المرمى، وهو داخل السور بالقرب من باب العراق، سمع امرأة تنادي أخرى يا زليخا تعالي أبصري الملك، فأمسك رأس فرسه ووقف ساعة، ثم نظر فلم ير أحدا، فقال: أين هي زليخا؟ قولوا لها تأتي تبصرنا أو نمشي، وهذا من أبلغ اللطافة من ملك مثله.