للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُضُوءَهُ عَلَيَّ فَأَفَقْت» وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَّ «النَّاسَ كَانُوا يَتَمَسَّحُونَ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِيهِ «أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ» فَكَذَا اسْتَدَلَّ مَشَايِخُنَا لِرِوَايَةِ الطَّهَارَةِ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ وَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الَّذِي تَمَسَّحُوا بِهِ لَيْسَ هُوَ الْمُتَسَاقِطَ مِنْ أَعْضَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَا فَضَلَ مِنْ وُضُوئِهِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ الصَّحِيحَةِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَأَخْرَجَ بِلَالٌ فَضْلَ وُضُوئِهِ فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُتَسَاقِطَ مِنْ وُضُوئِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ «فَصُبَّ عَلَيْهِ مِنْ وُضُوئِهِ» ، فَإِنْ جُعِلَ الْوُضُوءَ اسْمًا لِمُطْلَقِ الْمَاءِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِوُضُوئِهِ فَضْلُ مَائِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِبَعْضِهِ لَا اسْتَعْمَلَهُ فِي أَعْضَائِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا، وَإِنْ جُعِلَ اسْمًا لِلْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلْوُضُوءِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ مَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْهِنْدِيُّ؛ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُسْتَدَلَّ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ لِرِوَايَةِ الطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِالْقِيَاسِ فَقَالَ الْمَعْلُومُ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ أَنَّ الْآلَةَ الَّتِي تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَتُقَامُ بِهَا الْقُرْبَةُ تَتَدَنَّسُ

وَأَمَّا الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْعَيْنِ شَرْعًا فَلَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ مَالُ الزَّكَاةِ تُدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ بِهِ حَتَّى جُعِلَ مِنْ الْأَوْسَاخِ فِي لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَحَرُمَ عَلَى مَنْ شَرُفَ بِقَرَابَتِهِ النَّاصِرَةِ لَهُ وَلَمْ يَصِلْ مَعَ هَذَا إلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى حَامِلُ دَرَاهِمِ الزَّكَاةِ صَحَّتْ فَكَذَا يَجِبُ فِي الْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِلُ إلَى التَّنَجُّسِ، وَهُوَ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُومَ فِيهِ دَلِيلٌ يَخُصُّهُ غَيْرُ هَذَا الْقِيَاسِ اهـ.

لَكِنْ قَدْ عَلِمْت الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ آنِفًا فَانْدَفَعَ بِهِ هَذَا الْقِيَاسُ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِالنَّجَاسَةِ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لِعُمُومِ الْبَلْوَى إلَّا فِي الْجُنُبِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ وَعَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ آنِفًا، فَإِنَّهُ لِمَا كَانَ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ قَوِيًّا كَانَ هُوَ الْمُخْتَارَ إلَّا أَنَّ الْبَلْوَى عَمَّتْ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَأَفْتَى الْمَشَايِخُ بِالطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْأَكْبَرِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ عُمُومُ الْبَلْوَى فَكَانَ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَره شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ إذَا اغْتَسَلَ الطَّاهِرُ فِي الْبِئْرِ أَفْسَدَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْمَاءِ هُوَ النَّجِسُ اهـ.

لَكِنْ رَجَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلَةَ بِالتَّخْفِيفِ وَاسْتَبْعَدَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ الْقَائِلَةَ بِالتَّغْلِيظِ فَقَالَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بَعِيدٌ، فَإِنَّ لِلْبَلْوَى تَأْثِيرًا فِي تَخْفِيفِ النَّجَاسَةِ وَمَعْنَى الْبَلْوَى فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الطَّاهِرِ، فَإِنَّ صَوْنَ الثِّيَابِ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي نَجَاسَتِهِ فَلِذَلِكَ خَفَّ حُكْمُهُ اهـ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَكِنْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ لِلْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْغُسْلِ فَلْيُرَاجَعْ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِ نَجَاسَةٌ عَيْنِيَّةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مَا وَعِنْدَ الْبَعْضِ نَجَاسَتُهُ بِالْمُجَاوَرَةِ حَتَّى يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِسَائِرِ الْوُجُوهِ سِوَى الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَاءٌ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ فَصَارَ كَمَا أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِانْتِقَالِ شَيْءٍ مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ، وَلَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ شَرْعًا فَيَكُونُ نَجِسًا عَيْنًا فَيَكُونُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَلَمْ يُرَجَّحْ لَكِنَّ تَأْخِيرَهُ وَجْهَ الْأَوَّلِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ كَمَا هِيَ عَادَتُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيُكْرَهُ شُرْبُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَمَّا الْمَاءُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ تَغَيَّرَ وَصْفُ الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَبَلِّ الطِّينِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى رِوَايَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَنْ النَّهْرِ وَأَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْهَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّحْرِيمِ اهـ فَلِيُتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>