وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَبَّلَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ كَانَ بِمَكَّةَ فَقَدِمَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ: بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَاعْتَنَقَهُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ: لَا، قُلْنَا: أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ: لَا، قُلْنَا: أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ: نَعَمْ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ وَهِيَ التَّقْبِيلُ» وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ مَنْسُوخٌ بِهِ وَقَالَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا غَيْرُ الْإِزَارِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَفَّقَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ وَرَخَّصَ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ الْمُتَوَرِّعِ وَالزَّاهِدِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنْ تَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ إذَا لَقِيَ غَيْرَهُ فَمَكْرُوهٌ، وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ السُّلْطَانِ فَحَرَامٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي بِهِ آثِمَانِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِهَذَا السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّحِيَّةَ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: التَّقْبِيلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: قُبْلَةِ الرَّحْمَةِ كَقُبْلَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَقُبْلَةِ التَّحِيَّةِ كَتَقْبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَقُبْلَةِ الشَّفَقَةِ كَقُبْلَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ، وَقُبْلَةِ الْمَوَدَّةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَأَمَتَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قُبْلَةَ الدِّيَانَةِ كَقُبْلَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَرَجَ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنَا لَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي قَاسِمٍ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ لَهُ وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ فَلَوْ تَرَكْتُ تَعْظِيمَهُمْ يَتَضَرَّرُونَ وَالْفُقَرَاءُ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ.
وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ الْتَقَيَا فَتَصَافَحَا إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» وَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَلَا يَمَسُّ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَهُمَا شَابَّانِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ مَاسَّةً أَوْ الْبَالِغُ مَاسًّا اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ]
قَدَّمَ فَصْلَ الْبَيْعِ عَنْ فَصْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللَّمْسِ وَالْوَطْءِ لِأَنَّ أَثَرَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ مُتَّصِلٌ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ اتِّصَالٍ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ لَا السِّرْقِينِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَوَّلُونَ السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْأَمْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَهُ فِي الْأَرَاضِي لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا مَخْلُوطَةً بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ جَائِزٌ بِغَلَبَةٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْخَالِصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي عَلَى الطَّرِيقِ فَأَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قُعُودِهِ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ وَسِعَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الطَّرِيقِ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُعِينًا لَهُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.
صَبِيٌّ جَاءَ إلَى سُوقٍ بِخُبْزٍ أَوْ بِلُبْسٍ أَوْ بِعَدَسٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَغَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ الْجَوْزَ وَالْفُسْتُقَ حَتَّى نَسْأَلَهُ: هَلْ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ أَبُوهُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي ذَلِكَ عَادَةً وَفِيهِ، وَأَمَّا الْمُغَنِّي وَالنَّائِحَةُ وَالْقَوَّالُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ هَلْ يُبَاحُ لَهُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَقْدٍ لَا يُبَاحُ لَهُ لِأَنَّهُ أَجْرٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. اهـ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يُكْرَهُ بَيْعُ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ مِمَّنْ عُرِفَ بِاللِّوَاطَةِ.
رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا مَجُوسِيًّا فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَقَالَ إنْ بِعْتَنِي مِنْ مُسْلِمٍ قَتَلْتُ نَفْسِي جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الزُّنَّارَ مِنْ النَّصَارَى وَالْقَلَنْسُوَةَ مِنْ الْيَهُودِ، وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ عَنْ الثَّانِي بَاعَ ثَوْرًا مِنْ الْمَجُوسِيِّ لِيَنْحَرُوهُ فِي عِيدِهِمْ يَقْتُلُوهُ بِالْعَصَا لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: أَهْلُ بَلَدِهِ زَادُوا فِي مَوَازِينِهِمْ فِيمَا يُوزَنُ بِزِيَادَةٍ فَوْقَ الزِّيَادَةِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَبَعْضُهُمْ يُوَافِقُ وَبَعْضُهُمْ لَا يُوَافِقُ أَتَحِلُّ لَهُمْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فَقَالَ: لَا، قَالُوا: وَلَوْ اتَّفَقَ الْكُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute