أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ وَالْآخَرُ عَنْ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَالْمِيرَاثُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِمْ عَصَبَةَ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ عَبْدٍ وَابْنٍ وَبِنْتٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقَةِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا لَا غَيْرُ أَعْتَقَ أُمَّهُ وَمَاتَ عَنْ ابْنٍ وَالِابْنُ عَنْ أَخٍ لِأُمِّهِ، ثُمَّ مَاتَتْ الْمُعْتَقَةُ فَالْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ أُخْرَى وَفِيهِ أَيْضًا ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارَ الْحَرْبِ وَلَهُ مُعْتَقٌ فَمَاتَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ الرِّجَالُ مِنْ وَرَثَتِهِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهِنَّ أَوْ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ» الْحَدِيثَ يَعْنِي الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ النَّسَبِيَّةِ بِسَبَبِ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ لِلْمُعْتَقِ وَهِيَ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ كَمَا أَنَّهَا تُسَاوِيهِ فِي مِلْكِ الْمَالِ فَيُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّجُلِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ عَصَبَةً فِيهِ كَالرَّجُلِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اشْتَرَتْ أَبَاهَا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ هَذِهِ الِابْنَةِ وَبِنْتِ أُخْرَى فَالثُّلُثَانِ لَهُمَا بِحُكْمِ الْفَرْضِ وَالْبَاقِي لِلْمُشْتَرِيَةِ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ بَعْدَمَا عَتَقَ عَلَى بِنْتَيْهِ أَعْتَقَ عَبْدًا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، ثُمَّ مَاتَ مُعْتَقُ الْأَبِ وَبَقِيَتْ الِابْنَةُ الْمُشْتَرَاةُ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْمُشْتَرَاةِ وَيَرِثُ ابْنُ الْمُعْتَقِ مِنْ وَلَدِ الْمُعْتَقِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ]
(فَصْلٌ)
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ أَخَّرَ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ عَنْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ الْإِحْيَاءُ الْحُكْمِيُّ وَلَا يُوجَدُ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ الْإِحْيَاءُ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْإِرْثِ؛ وَلِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي دَلِيلِهِ وَالثَّانِي فِي رُكْنِهِ وَالثَّالِثُ فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِهِ وَالْخَامِسُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا دَلِيلُهُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ «هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» أَيْ بِمِيرَاثِهِ وَحَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ «أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك تَعْقِلُ عَنْهُ وَتَرِثُ مِنْهُ» ، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُهُ أَنْتَ مَوْلَايَ عَلَى كَذَا.
وَأَمَّا الْوَلَاءُ لُغَةً فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلِيِّ وَهُوَ الْقُرْبُ وَحُصُولُ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيُسَمَّى وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ أَنْ يُسْلِمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَيَقُولُ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَالَيْتُك عَلَى أَنِّي إنْ مِتُّ فَمِيرَاثِي لَك وَإِنْ جَنَيْت فَعَقْلِي عَلَيْك وَعَلَى عَاقِلَتِك وَقَبِلَ الْآخَرُ هَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَأَمَّا شَرْطُهُ فَلَهُ ثَلَاثُ شَرَائِطَ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ بِأَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى شَخْصٍ، بَلْ يُنْسَبُ إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا نِسْبَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَغَيْرُ مَانِعَةٍ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ مَعَ أَحَدٍ، وَقَدْ عَقَلَ عَنْهُ وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا اهـ.
وَفِي الْكَافِي إنَّمَا تَصِحُّ وَلَايَةُ الْمُوَالَاةِ بِشَرَائِطَ مِنْهَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ مِنْ شَرْطِ الْعَقْلِ عَقْلُ الْأَعْلَى أَوْ حُرِّيَّتُهُ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بَاطِلَةٌ فَكَيْفَ جَعَلَ الشَّرَائِطَ ثَلَاثَةً وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هِيَ الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْت فَإِنَّهُ نَادِرٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَفِي الشَّارِحِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْإِرْثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَارَثَا بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ بِحَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَمَنْ يُولَدُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُوَالَاةِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ شَرَائِطِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ فَمِنْهَا عَقْلُ الْعَاقِدَيْنِ وَحُرِّيَّةُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا. اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ الْعَبْدُ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ كَانَ عَقْدُهُ كَعَقْدِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى اهـ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ شَرْعًا فَالْإِرْثُ وَالْعَقْلُ عَنْهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَكَيْفَ يَكُونُ حُكْمًا وَالشَّرْطُ مُتَقَدِّمٌ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ لَهُ حَالَتَانِ فَبِاعْتِبَارِ التَّقْدِيمِ شَرْطًا وَبِاعْتِبَارِ التَّأْخِيرِ حُكْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ صَحَّ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِرْثُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ) وَقَوْلُهُ أَسْلَمَ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّ حُدُوثَ الْإِسْلَامِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُوَالَاةُ مَجْهُولِ الْحَالِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حُدُوثَ إسْلَامِهِ صَحِيحَةً وَيَصِحُّ مُوَالَاةُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ فَلَوْ قَالَ غَيْرُ عَرَبِيٍّ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَمَنْ أَحْدَثَ الْإِسْلَامَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ قُلْت قَالَ فِي الْمُحِيطِ ذِمِّيٌّ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَ قَبِيلَتِهِ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute