إذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ الْأَرْبَعَةِ فَلِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ حَقِيقَةً، وَخُرُوجُهَا عَنْهُ بِاعْتِبَارِ الْحِسْبَةِ وَلَا حِسْبَةَ عِنْدَ النُّقْصَانِ وَحَدَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حُدَّ فَوُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا حُدُّوا) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ الشُّهُودُ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ: وَأَرْشُ ضَرْبِهِ هَدَرٌ، وَإِنْ رُجِمَ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا أَرْشُ الضَّرْبِ أَيْضًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ جَرَحَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ وَعَلَى هَذَا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقُ الضَّرْبِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْجُرْحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ فَيَنْتَظِمُ الْجَارِحَ وَغَيْرَهُ فَيُضَافَانِ إلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ بِالرُّجُوعِ وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ يَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ وَصَارَ كَالرَّجْمِ، وَالْقِصَاصِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْجَلْدُ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ جَارِحٍ وَلَا مُهْلِكٍ وَلَا يَقَعُ جَارِحًا ظَاهِرًا إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ وَهُوَ قِلَّةُ هِدَايَتِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ.
[رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودُ بِالزِّنَا بَعْدَ الرَّجْمِ]
(قَوْلُهُ: فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الرَّجْمِ حُدَّ وَغَرِمَ رُبُعَ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ انْقَلَبَتْ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ بِهِ تَنْفَسِخُ شَهَادَتُهُ فَجُعِلَ لِلْحَالِ قَذْفًا لِلْمَيِّتِ وَقَدْ انْفَسَخَتْ الْحُجَّةُ فَيَنْفَسِخُ مَا يَنُبْنِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِقِيَامِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا غَرِمَ الْوَاحِدُ الرَّاجِعُ رُبُعَ الدِّيَةِ لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ الرَّاجِعِ رُبُعَ الْحَقِّ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّاجِعِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي الْإِتْلَافِ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ قَيَّدَ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدًا فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِظُهُورِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً بَلْ هِيَ قَذْفٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَصَارُوا قَاذِفِينَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَالْحَدُّ لَا يُورَثُ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ فَجُلِدَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ الرَّاجِعُ بِالْأَوْلَى وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ خِلَافُ زُفَرَ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْكُلُّ حُدُّوا وَغَرِمُوا رُبُعَ الدِّيَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ بِالزِّنَا بِغَيْرِهَا وَرُجِمَ فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ إجْمَاعًا وَيُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّونَ.
(قَوْلُهُ: وَقَبْلَهُ حُدُّوا وَلَا رَجْمَ) أَيْ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الرَّجْمِ حُدَّ الْكُلُّ الرَّاجِعُ وَغَيْرُهُ وَامْتَنَعَ الرَّجْمُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ حُدَّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ كَمَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَخِلَافُ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيُحَدُّ الْكُلُّ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَمْسَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالْغُرْمَ وَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بِالْأَوْلَى وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ قَوْلُهُ (: فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبُعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّهِمَا، وَأَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، وَالْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ عَلَى مَا عُرِفَ وَأَفَادَ بِالْغَرَامَةِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا غَرَامَةَ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْأَوَّلَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَغَرِمُوا رُبُعَ الدِّيَةِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ كُلَّ الدِّيَةِ وَعَلَى مَا فِي الْعَامَّةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ جَمِيعُ الدِّيَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَغَرِمَ رُبُعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَلِفَ بِشَهَادَتِهِ إنَّمَا هُوَ رُبُعُ الْحَقِّ وَلِذَا لَوْ رَجَعَ الْكُلُّ حُدُّوا وَغَرِمُوا الدِّيَةَ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute