للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فَقَضَى الْقَاضِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُ الْمُشْتَرِي بِالْعِتْقِ حَتَّى يَعْتِقَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ يَمِينَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ) يَعْنِي لَمْ يَقَعْ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ» وَلِأَنَّهَا لَمَّا قُبِلَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ تَقْبَلُ فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي الْوِلَادَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا وَشُرِطَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ عَدْلَةٌ، قُيِّدَ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا، وَكَذَا مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ مِنْ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَثُبُوتِ اللِّعَانِ فِيمَا إذَا نَفَاهُ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِنَفْيِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلِّعَانِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصَ الطَّلَاقِ بَلْ كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ لَوَازِمِ الْوِلَادَةِ فَالْعَتَاقُ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ بِلَا شَهَادَةٍ) أَيْ: بِلَا شَهَادَةِ أَحَدٍ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةً فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْلِيقَ إنْ كَانَ بِمَا هُوَ مَعْلُومُ الْوُقُوعِ بَعْدَهُ وَعِلْمُهُ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا بِحَيْضِهَا وَوِلَادَتِهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِحَبَلِهَا أَوْ ظُهُورِ حَمْلِهَا كَانَ الْتِزَامًا لِتَصْدِيقِهَا عِنْدَ إخْبَارِهَا بِهِ وَاعْتِرَافًا بِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِوِلَادَتِهَا قَبْلَ الِاعْتِرَافِ بِحَبَلٍ سَابِقٍ وَلَا ظُهُورِ حَبَلٍ حَالَ التَّعْلِيقِ لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ عِنْدَ إنْكَارِهِ إلَى الْحُجَّةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ]

(قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِقِلَّتِهِ؛ لِأَنَّ ظِلَّهُ حَالَةَ الدَّوَرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ تَقْدِيرُهُ، وَلَوْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ وَيُرْوَى وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ أَيْ، وَلَوْ بِقَدْرِ دَوَرَانِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ.

(قَوْلُهُ وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] ثُمَّ قَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤] فَيَبْقَى لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ نُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ وَأُورِدَ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَرَّرَهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّضَاعِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَضْرُوبَةٌ بِتَمَامِهَا لِكُلٍّ مِنْ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ غَيْرَ أَنَّ الْمُنْقِصَ قَامَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْحَمْلُ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُلْنَا قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهُ يُرَادُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِينَ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ حَقِيقَةُ ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ إلَى الصَّحِيحِ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَاشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ (لَزِمَهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ: وَإِنْ وَلَدَتْ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهَا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ الْحَادِثُ إلَى أَقْرَبِ وَقْتِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْطَالَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ أَوْ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْمُقْتَضِي وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَتِهِ وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى الْأَكْثَرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ) ، فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يُنْتَقَضُ بِمَسَائِلَ:

أَحَدُهَا: مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْهُ فَالْإِيجَابُ عَلَى إبْهَامِهِ وَلَا تَتَعَيَّنُ ضَرَّتُهَا لِلطَّلَاقِ ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ.

وَثَانِيهَا: مَا لَوْ قَالَ لَهَا: إذَا حَبِلْتِ فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ هَذَا فِي تَعْلِيقِ الْعَتَاقِ بِالْحَبَلِ.

وَثَالِثُهَا: الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لَأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ أَعْنِي الْبَيَانَ وَالطَّلَاقَ وَالرَّجْعَةَ قُلْنَا الْحَوَادِثُ إنَّمَا تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ إبْطَالَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ أَوْ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْمُقْتَضَى، أَمَّا إذَا تَضَمَّنَ فَلَا فَمَتَى عَوَّلْتَ عَلَى مَا قُلْنَا، ثُمَّ اسْتَقْرَيْت الْمَسَائِلَ وَجَدْتَ الْأَمْرَ عَلَيْهِ فَفِي ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ إبْطَالُ مَا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يُعَيَّنُ، وَفِي الرَّجْعَةِ كَذَلِكَ مَعَ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الدَّلِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>