لَوْ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ زَوْجِهَا حَرُمَتَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ، وَالْبِنْتِ رَضَاعًا فَفَسَدَ نِكَاحُهُمَا وَلَمْ يَنْفَسِخْ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ، وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: فِي الْمِعْرَاجِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لَا يُخَالِفُهُ أَنَّ الِانْفِسَاخَ غَيْرُهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِمَا النِّكَاحُ حَتَّى لَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ التَّزَوُّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ إلَّا بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ، وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْفَاسِدِ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ الْمُتَارَكَةِ بِالْقَوْلِ فِي الْمَدْخُولَةِ، وَفِي غَيْرِهَا يَكْتَفِي بِالْمُفَارَقَةِ بِالْأَبْدَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ عَلَى النِّكَاحِ أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا يُحَدُّ وَيَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ مُتَارَكَةٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا لَيْسَ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّ أُخْتَ الْكَبِيرَةِ وَأُمَّهَا وَبِنْتَهَا نَسَبًا وَرَضَاعًا إنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ كَهِيَ لِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا فِي الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الثَّانِي وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ بِنْتِهَا فِي الثَّالِثِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَطُّ وَلَا الْمُرْضِعَةُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنَّ الْمُرْضِعَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ قَطُّ لِكَوْنِهَا أُمَّ امْرَأَتِهِ وَلَا الْكَبِيرَةُ لِكَوْنِهَا أُمَّ أُمِّ امْرَأَتِهِ وَتَحِلُّ الصَّغِيرَةُ لِكَوْنِهَا ابْنَةَ ابْنَةِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا عَمَّةُ الْكَبِيرَةِ أَوْ خَالَتُهَا لَمْ تَبِنْ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَ عَمَّتِهَا أَوْ بِنْتَ خَالَتِهَا قَالَ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ عَمَّتِهَا أَوْ بِنْتِ خَالَتِهَا فِي النَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا تَبِينُ الْكَبِيرَةُ، وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أَوَّلًا لِكَوْنِهِمَا صَارَ أُمًّا وَبِنْتًا وَلَا تَبِينُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا آخِرًا لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْهَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا وَلَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ أُمًّا وَبِنْتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْكَبِيرَةَ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّ الصَّغِيرَتَيْنِ شَاءَ وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ بِنَّ جَمِيعًا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ أَوْ كَانَ لَبَنُهَا الَّذِي أَرْضَعَتْ بِهِ الصَّغِيرَ مِنْ زَوْجِهَا لَا يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا قَطُّ وَإِلَّا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ فَقَطْ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ، وَالْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ حَرُمَتَا عَلَيْهِ لِلْأُخْتِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِرْضَاعُ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ بَانَتْ الْأُولَيَانِ لَا الثَّالِثَةُ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ أَرْضَعَتْ وَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَلَمْ يَحْصُلْ الْجَمْعُ
وَإِنْ أَرْضَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ الثِّنْتَيْنِ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِأَنْ حَلَبَتْ لَبَنَهَا فِي قَارُورَةٍ وَأَلْقَمَتْ إحْدَى ثَدْيَيْهَا إحْدَاهُنَّ، وَالْأُخْرَى الْأُخْرَى وَأَوْجَرَتْ الثَّلَاثَةَ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ أَخَوَاتٍ مَعًا، وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلْأُولَى فَبَانَتَا فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الرَّابِعَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلثَّالِثَةِ فَبَانَتَا أَيْضًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ كُنَّ كَبِيرَتَيْنِ وَصَغِيرَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ صَغِيرَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ لِلُزُومِ الْجَمْعِ
ــ
[منحة الخالق]
اللَّبَنِ الرَّجُلُ، وَالشَّاةُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشُّرْبِ، وَالْوَجُورِ، وَالسَّعُوطِ تَأَمَّلْ.
[أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا]
(قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لَا يُخَالِفُهُ) كَذَا فِي أَغْلِبْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا يُخَالِفُهُ بِدُونِ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي فَرَاجِعْهُ، وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَبَنُهَا الَّذِي أَرْضَعَتْ بِهِ الصَّغِيرَةَ مِنْ زَوْجِهَا) كَذَا فِي النَّهْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي إمْكَانَ انْفِرَادِ كَوْنِ اللَّبَنِ مِنْهُ عَنْ كَوْنِهَا مَدْخُولَةً وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ مَدْخُولَةً اللَّهُمَّ إلَّا إنْ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِالزِّنَا بِهَا فَهُوَ مِنْهُ بِغَيْرِ دُخُولٍ فِي هَذَا النِّكَاحِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: إلَّا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَبَنُهَا مِنْهُ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ مَعْنَاهُ وَكَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَبَنُهَا. . . إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِنَا وَكَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ
وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْخَلْ بِالْكَبِيرَةِ الَّتِي لَبَنُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهَا بِهِ الْكَبِيرَةُ نَزَلَ لَهَا مِنْ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ لِلرَّجُلِ كَانَ حُرْمَتُهَا أَيْضًا مُؤَبَّدَةً كَالْكَبِيرَةِ لِأَنَّهُ صَارَ أَبًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ نَزَلَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذَا الرَّجُلَ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ لَهَا إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ أَيْضًا لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ اهـ. وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَبَنُهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute