للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ لَيْلَةُ الْجِنِّ مَا فِي إدَاوَتِك قَالَ نَبِيذُ تَمْرٍ قَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ وَضَعَّفَهُ وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ الْمَخْرَجُ وَغَيْرُهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ هُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لِتَأَخُّرِهَا إذْ هِيَ مَدَنِيَّةٌ وَعَلَى هَذَا مَشَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِذَا عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِهِ فِي جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ فَصَحَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ جَوَازَهُ وَصَحَّحَ فِي الْمُفِيدِ عَدَمَهُ وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّصْحِيحَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمَذْهَبُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِهِ فِي الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا رَجَعَ عَنْ قَوْلٍ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْشِيحِ وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُقَدَّمُ النَّبِيذُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَ التَّيَمُّمِ

وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقْطَعُهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْضِي فِيهَا وَيُعِيدُهَا بِالْوُضُوءِ بِهِ كَمَا لَوْ وَجَدَ سُؤْرَ حِمَارٍ، فَإِنَّهُ يَمْضِي وَيُعِيدُهَا بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْلَا عِبَارَةُ الْوَافِي - أَصْلُ الْكِتَابِ - لَشَرَحْته بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّبِيذَ مُخَالِفٌ لِسُؤْرِ الْحِمَارِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ أَصْلًا لِيَصِيرَ مَا فِي الْكِتَابِ هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ نَاصِرُ الْمَذْهَبِ حَيْثُ قَالَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا اعْتَمَدَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ التَّيَمُّمِ) الْبَابُ لُغَةً النَّوْعُ وَعُرْفًا نَوْعٌ مِنْ الْمَسَائِلِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا كِتَابٌ، وَلَيْسَتْ بِفَصْلٍ وَالتَّيَمُّمُ لُغَةً مُطْلَقُ الْقَصْدِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ وَشَوَاهِدُهُمَا كَثِيرَةٌ وَاصْطِلَاحًا عَلَى مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِلتَّطْهِيرِ، وَعَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ اسْتِعْمَالُ الصَّعِيدِ فِي عُضْوَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ عَلَى قَصْدِ التَّطْهِيرِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ وَزُيِّفَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَصْدَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ وَالثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يَجُوزَ بِالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ وَالْقَصْدُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ وَلَهُ رُكْنٌ وَشُرُوطٌ وَحُكْمٌ وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّةٍ وَسَبَبُ وُجُوبٍ وَكَيْفِيَّةٌ وَدَلِيلٌ أَمَّا رُكْنُهُ فَشَيْئَانِ الْأَوَّلُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالثَّانِي اسْتِيعَابُ الْعُضْوَيْنِ وَفِي الْأَوَّلِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا شَرَائِطُهُ أَعْنِي شَرَائِطَ جَوَازِهِ فَسَتَأْتِي فِي الْكِتَابِ مُفَصَّلَةً، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَاسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ، وَأَمَّا سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَمَا «وَقَعَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَهُوَ مَاءٌ بِنَاحِيَةِ قَدِيدٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَمَّا أَضَلَّتْ عِقْدَ هَا فَبَعَثَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي طَلَبِهِ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَائِشَةَ وَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَجَاءَ أَسِيد بْنُ الْحُضَيْرِ فَجَعَلَ يَقُولُ مَا أَكْثَرَ بَرَكَتَكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَرُخِّصَ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِهِ فَمَا هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ أَصْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَسَتَأْتِي، وَأَمَّا دَلِيلُهُ فَمِنْ الْكِتَابِ فِي آيَتَيْنِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ وَهُمَا مَدَنِيَّتَانِ وَمِنْ السُّنَّةِ فَأَحَادِيثُ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ

ــ

[منحة الخالق]

مَعَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَأَى قَوْمًا يَلْعَبُونَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ مَا رَأَيْت قَوْمًا أَشْبَهَ بِالْجِنِّ الَّذِينَ رَأَيْتهمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَحْبُوبِيِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. اهـ. فَرَائِدُ.

(قَوْلُهُ: وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَوَاشِي الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ أَقُولُ: حَاشَاهُ ثُمَّ حَاشَاهُ ثُمَّ حَاشَاهُ أَنْ يَبْنِيَ شَيْئًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ عِنْدَهُ فَالْحَدِيثُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ ضَعِيفًا فَالْعِبْرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ بِرَأْيِ الْمُجْتَهِدِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ لَا أَصْلَ لَهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ غَايَةَ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالصِّحَّةَ وَالضَّعْفَ بِاعْتِبَارِ السَّنَدِ ظَنًّا عَلَى الصَّحِيحِ أَمَّا فِي الْوَاقِعِ فَيَجُوزُ ضَعْفُ الصَّحِيحِ وَصِحَّةُ الضَّعِيفِ فَلَا نَقْطَعُ بِصِحَّةِ صَحِيحٍ وَلَا ضَعْفِ ضَعِيفٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ خِلَافَهُ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا عِنْدَ الْبَعْضِ ضَعِيفًا عِنْدَ آخَرَ فَدَارَ عَلَى اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ فَإِذَا بَنَى عَلَى حَدِيثٍ حُكْمًا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَلَّدَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقَبُولِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ مَنْ ضَعَّفَهُ بَعْدَهُ وَكَمْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كالدارقطني أَبْهَمَ الْجَرْحَ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ قَبُولِهِ مَا لَمْ يُفَسَّرْ فَلَوْلَا نَقْلُ رُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْهُ لَأَفْتَيْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَإِنْ قُلْت حَيْثُ كَانَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا فَمَا سَبَبُ رُجُوعِهِ عَنْهُ قُلْت أَمْرٌ ظَهَرَ لِلْمُجْتَهِدِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجَعَ عَنْ مَذْهَبٍ مُسْتَقِلٍّ بَعْدَ تَدْوِينِهِ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ هُنَا إنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ لَيْلَةِ الْجِنِّ فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهُ اهـ مُلَخَّصًا.

[بَابُ التَّيَمُّمِ]

[أَرْكَان التَّيَمُّم]

(بَابُ التَّيَمُّمِ)

(قَوْلُهُ: عَلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الْمُطَهِّرِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>