للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَصَّابُ عَدْلٌ تَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ فَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَرَفَ جَارِيَةً لِزَيْدٍ وَرَآهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهَا مِلْكُ الَّذِي فِي يَدِهِ، أَوْ مَأْذُونٌ فِي بَيْعِهَا.

رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَغَابَ عَنْهَا وَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَنَّهَا ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَسِعَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَةً سِوَاهَا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا ثَلَاثًا.

امْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَأَخْبَرَهَا مُسْلِمٌ ثِقَةٌ بِأَنَّهُ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَكَانَ غَيْرُهُ ثِقَةً، أَوْ أَتَاهَا كِتَابٌ بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَهُوَ كِتَابُهُ، أَوْ لَا؟ إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَلَوْ أَخْبَرَهَا رَجُلٌ أَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً وَلَوْ شَهِدَا لِلْمَرْأَةِ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ مَاتَ وَهِيَ تَجْحَدُ ثُمَّ مَاتَا، أَوْ غَابَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يَسَعْ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ وَلَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا وَلَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا سَمِعَتْ الطَّلَاقَ مِنْهُ وَهُوَ يَجْحَدُ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي وَرَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَسَعْهَا الْمُقَامُ وَلَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْأَمَةِ عَدْلَانِ أَنَّ مَوْلَاهَا أَعْتَقَهَا وَهُوَ يَجْحَدُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْقُرْبَانِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مُخْتَصَرًا.

[دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَثَمَّةَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَثَمَّةَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ يَقْعُدُ وَيَأْكُلُ) يَعْنِي إذَا حَدَثَ اللَّعِبُ وَالْغِنَاءُ بَعْدَ حُضُورِهِ يَقْعُدُ وَيَأْكُلُ وَلَا يَتْرُكُ وَلَا يَخْرُجُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَثَمَّةَ إلَى آخِرِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ عَنْ نَائِبِ فَاعِلِ " دُعِيَ " فَيُفِيدُ وُجُودَ ذَلِكَ حَالَ الدَّعْوَةِ، فَلَوْ قَالَ: فَحَضَرَ لَعِبٌ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَجْلِ النَّائِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ قِيلَ عَلَيْهِ إنَّهُ قِيَاسُ السُّنَّةِ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِأَجْلِ الْفَرْضِ تَحَمُّلُهُ لِأَجْلِ السُّنَّةِ أُجِيبَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهَا لِقَوْلِهِ «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» الْحَدِيثَ فَأُورِدَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ مِثْلَ الْوَاجِبِ فِي الْأَحْكَامِ فَهُوَ مُشْكِلٌ لِوُجُوبِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَحْكَامِ بِأَنَّ تَارِكَ الْوَاجِبِ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالنَّارِ وَتَارِكَ السُّنَّةِ لَا يَسْتَحِقُّهَا بَلْ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ وَإِنْ أَرَادَا بِأَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ مُجَرَّدَ بَيَانِ تَأْكِيدِ السُّنَّةِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً عِنْدَنَا ابْتِدَاءً إلَّا أَنَّهَا تَنْقَلِبُ إلَى الْوَاجِبِ بَقَاءً بَعْدَ الْحُضُورِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ بِالْتِزَامِهِ فَصَارَ نَظِيرَ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَاجِبِ بَلْ إلَى الْفَرْضِ بِالْتِزَامِهِ بِالْمَشْرُوعِ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ قِيَاسَ وَاجِبٍ عَلَى وَاجِبٍ، وَبَيَانُ تَقْرِيبِ الدَّلِيلِ بِبَيَانِ الدَّعْوَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ، أَوْ طَعَامٍ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ مِنْ الْبِدَعِ أَصْلًا، وَالثَّانِي: إذَا دُعِيَ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُذْكَرْ حِينَ الدَّعْوَةِ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مِنْ الْبِدَعِ أَصْلًا وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ وَلَكِنْ هَجَمَ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ: إذَا دُعِيَ إلَى ذَلِكَ وَذُكِرَ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مِنْ الْبِدَعِ فَعَلِمَهُ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ فَفِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَانَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَلَا تَكُونُ الْإِجَابَةُ لَازِمَةً لِلْمَدْعُوِّ. اهـ.

وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَقْبَلُهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَشْمَلُ مَا بَعْدَ الْحُضُورِ وَمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَهُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَعُمُّ كُلَّ دَعْوَةٍ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْ اقْتِرَابِ تِلْكَ الْبِدَعِ اهـ.

فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ خَرَجَ وَلَمْ يَقْعُدْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَا حُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ قُدْوَةً، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ.

وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ فَلَا يَحْضُرُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «صَنَعْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَدَعْوَتُهُ لَهُ فَحَضَرَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَطْعَمَيْنِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ وَأَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ مُنْسَطِحٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَصَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ» ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغَنِّي الْمُجَرَّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِإِطْلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>