جَارِيَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا بِجُحُودٍ وَلَا إقْرَارٍ فَكَبِرَتْ فَلَقَاهَا رَجُلٌ وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَتْ لَهُ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ وَلَمْ أَكُنْ أَمَةً لِلَّذِي كُنْتُ فِي يَدِهِ فَلِهَذَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ قَالَتْ: كُنْت أَمَةً لِلَّذِي كُنْت فِي يَدِهِ فَأَعْتَقَنِي وَسِعَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ كَانَتْ خَالِيَةً وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَتْ ثِقَةً أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ أَنَّ حُرَّةً تَزَوَّجَتْ رَجُلًا ثُمَّ أَتَتْ غَيْرَهُ وَقَالَتْ: إنَّ نِكَاحِي الْأَوَّلَ كَانَ فَاسِدًا أَوْ الزَّوْجَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يُصَدِّقَهَا وَلَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ قَالَتْ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قَالَتْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَبَنَتْ مِنْهُ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا، وَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا كَانَتْ عَدْلَةٌ اهـ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ بَاعَهَا مُسْلِمٌ لَا كَافِرٌ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِشَخْصٍ مُسْلِمٍ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ خَمْرًا، وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَقَضَى الدَّيْنَ لَا يَحِلُّ لِلْمَدِينِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِدَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي صَحِيحٌ فَمَلَكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ: هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ بِالرِّضَا فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَقَضَى عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِكَوْنِهِ ثَمَنَ خَمْرٍ يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ بِقَضَائِهِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَطِيبُ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى نُفُوذَ قَضَاءِ الْقَاضِي بَاطِنًا وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ ظَاهِرًا، وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ ثَمَنَ خَمْرٍ بَاعَهَا لَا يَحِلُّ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَسْبُ الْمُغَنِّيَةِ كَالْمَغْصُوبِ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ قَالُوا وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَكَسْبُهُ مِنْ ثَمَنِ الْبَاذَقِ وَالظُّلْمِ أَوْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ تَعُودُ الْوَرَثَةُ وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ الْأَوْلَى لَهُمْ وَيَرُدُّونَهُ عَلَى أَرْبَابِهِ إنْ عَرَفُوهُمْ، وَإِلَّا يَتَصَدَّقُوا بِهِ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ اعْتِقَادُ الْبَائِعِ سَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُسْلِمًا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا مَلَكَ الثَّمَنَ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ اهـ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا بَاعَ الْخَمْرَ الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرُ لِلْكَافِرِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ أَوْ الْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ فَلِمَ لَمْ يُقْبَلْ اعْتِقَادُ الْكَافِرِ فَنَقُولَ بِالْجَوَازِ أَوْ بِاعْتِقَادِ الْمُسْلِمِ فَنَقُولَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ.
قُلْنَا الْأَصَحُّ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ.
[احْتِكَارُ قُوتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ فِي بَلَدٍ لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِهَا]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَاحْتِكَارُ قُوتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ فِي بَلَدٍ لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِهَا) يَعْنِي يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَتَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ فَيُكْرَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً يَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ مِلْكَهُ، وَتَخْصِيصُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّالِثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ مَا يَضُرُّ الْعَامَّةَ فَهُوَ احْتِكَارٌ، بِالْأَقْوَاتِ كَانَ أَوْ ثِيَابًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الْحَبْسَ الْمُتَعَارَفَ وَهُوَ الْحَاصِلُ فِي الْأَقْوَاتِ فِي الْمُدَّةِ فَإِذَا قَصُرَتْ لَا يَكُونُ احْتِكَارًا لِعَدَمِ الضَّرَرِ، إذَا طَالَتْ يَكُونُ مَكْرُوهًا ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُقَدَّرٌ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ» وَقِيلَ بِالشَّهْرِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ وَهُوَ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْثَمِ بَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْعُسْرَةَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْقَحْطَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - وَقِيلَ: الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْإِثْمُ فَيَحْصُلُ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ.
وَفِي الْمُحِيطِ الِاحْتِكَارُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا حَرَامٌ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ فِي الْمِصْرِ طَعَامًا وَيَمْتَنِعَ عَنْ بَيْعِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ وَنَقَلَهُ إلَى الْمِصْرِ وَحَبَسَهُ قَالَ الْإِمَامُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جَمَعَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ جَلَبَ مِنْ فِنَائِهِ، وَقَالَ الثَّانِي: يُكْرَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ بُقْعَةٍ يَمْتَدُّ مِنْهَا إلَى الْمِصْرِ فِي الْعَادَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءِ الْمِصْرِ يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ مِنْهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الِاحْتِيَاطِ اهـ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَمَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ احْتِكَارُ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَمَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَكُونُ احْتِكَارًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ وَلَا يَجْلِبَ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ وَهَذَا فِي الْمَجْلُوبِ قَوْلُ الْإِمَامِ خَاصَّةً فَإِنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جَلَبَ فَصَارَ كَغَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَالْجَامِعُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْعَامَّةِ بِهِ وَقَدَّمْنَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَوْلَ أَبِي يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute