الزِّيَادَةِ وَالتَّقْدِيرُ بِالْأَرْبَعِينَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا بِقَدْرِ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَبِهِ يُفْتَى وَفِي الْيَنَابِيعِ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُزَادُ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَطَنٍ يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهِ إلَى الزِّرَاعَةِ وَقَدَّرَ الشَّارِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي الْمَقَادِيرِ ثُمَّ قِيلَ الْخَمْسُمِائَةِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالذِّرَاعُ هُوَ الْمُكَسَّرِ وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَكَانَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَكُسِرَ مِنْهُ قَبْضَةٌ وَفِي الْكَافِي قِيلَ إنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا لِصَلَابَتِهِمَا وَفِي أَرَاضِينَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ كَيْ لَا يَتَحَوَّلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِيَةِ فَتُعَطِّلَ الْأُولَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَفَرَ فِي حَرِيمِهَا يُمْنَعُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْبِئْرِ ضَرُورَةً لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَكَانَ الْحَافِرُ مُتَعَدِّيًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِذَا حَفَرَ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْحَفْرُ لَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ بَنَى الثَّانِي فِي حَرِيمِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَلَوْ أَرَادَ الْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَ بِحَفْرِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِالْحَفْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُؤَاخَذُ بِهِ قِيلَ بِكَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةٌ بِتَعَدِّيهِ كَمَا لَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَيَكْنُسُ الْأَوَّلُ مَا حَفَرَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَاخِذَهُ بِقِيمَتِهِ لَا بِبِنَاءِ الْجِدَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْعِنَايَةِ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يُقَوَّمَ الْأَوَّلُ قَبْلَ حَفْرِ الثَّانِي وَبَعْدَهُ فَيُضَمَّنُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا وَمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الْأَوَّلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيُجْعَلُ الْحَفْرُ تَحْجِيرًا وَلَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَفَرَ الثَّانِي بِئْرًا فِي مُنْتَهَى حَرِيمِ الْأَوَّلِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى وَتَحَوَّلَ إلَى الثَّانِيَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ وَالْمَاءُ الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُحَاصَّةُ بِسَبَبِهِ كَمَنْ بَنَى حَانُوتًا فِي جَنْبِ حَانُوتِ غَيْرِهِ فَكَسَدَ الْأَوَّلُ بِسَبَبِهِ وَلِلثَّانِي فِي الْحَرِيمِ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْأَوَّلِ بِسَبْقِ مِلْكِ الْأَوَّلِ فِيهِ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) وَالْقَنَاةُ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَمْ يُقَدَّرْ حَرِيمُهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا حَرِيمَ لَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَتُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ قَالُوا عِنْدَ ظُهُورِ الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ فَوَّارَةٍ فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهَا بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ اهـ.
[مَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ وَلَمْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَيْهِ فَهُوَ مَوَاتٌ]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ وَلَمْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَيْهِ فَهُوَ مَوَاتٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَجَازَ إحْيَاؤُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اُحْتُمِلَ عَوْدُهُ إلَيْهِ لَا) يَعْنِي لَا يَكُونُ مَوَاتًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حَقُّهُمْ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ اهـ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ) وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا لَهُ حَرِيمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ لِلْحَاجَةِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَصَاحِبِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الشَّيْءِ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ لِيَجْرِيَ الْمَاءُ إذَا حُبِسَ بِشَيْءٍ وَقَعَ فِيهِ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِي وَسَطِ الْمَاءِ وَكَذَا يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يُلْقِي عَلَيْهِ الطِّينَ عِنْدَ الْكَرْبِ وَفِي الْكُبْرَى وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا إذَا حُفِرَ النَّهْرُ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ وَفِي الْكَافِي وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَا لَهُ مَمْشَاةُ النَّهْرِ وَيَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ قَالَ حُسَامُ الدِّينِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ وَفِي الْفَتَاوَى نَهْرَانِ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حَرِيمِهِمَا فَمَا كَانَ مَشْغُولًا بِتُرَابِ أَحَدِ النَّهْرَيْنِ فَهُوَ فِي أَيْدِي أَهْلِ ذَلِكَ النَّهْرِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ لَهُمْ فَلَا يُصَدَّقُ الْآخَرُونَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَمَا كَانَ بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مَشْغُولًا بِتُرَابِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ بَيْنَ أَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ خَاصَّةً قَالَ الشَّارِحُ دَلِيلُ الْإِمَامِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِمَا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَنَى قَصْرًا فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ حَرِيمًا وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْقَصْرِ دُونَ الْحَرِيمِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَهْرٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ، وَأَرْضٌ لِآخَرَ وَالْمُسَنَّاةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا غَرْسٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى فَادَّعَى صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمُسَنَّاةَ وَادَّعَاهُ صَاحِبُ النَّهْرِ أَيْضًا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا هِيَ لِصَاحِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute