وَفِي الْفَتَاوَى لِأَبِي اللَّيْثِ عَنْهُ فَقَالَ لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ حَاضِرَةٌ تَعْلَمُ بِهِ وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِلْكُ أَبِيهِ وَقْتَ الْبَيْعِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَرْكَهُ فِيمَا يَصْنَعُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ وَجَعَلَ سُكُوتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْإِفْصَاحِ بِالْإِقْرَارِ قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ لِأَهْلِ الْعَصْرِ فِي الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ وَتَقْيِيدُ الْقَرِيبِ يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ الْقَرِيبِ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ مِنْ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ قَبْلَ الْفَصْلِ فِي الضَّمَانِ قَالَ: وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَهُوَ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِهِ ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ بِدُونِ الْكَفَالَةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ شَهِدَ وَخَتَمَ وَلَمْ يَكْفُلْ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ وَلَا هِيَ بِإِقْرَارِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَرَّةً يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَهُوَ تَسْلِيمٌ إلَّا إذَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَوْ بَاعَ ضَيْعَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْهُ وَإِذَا أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ فَإِذَا قُبِلَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَيْهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ وَحَقًّا لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا بِيعَ مَتَاعُ إنْسَانٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَالسَّخَطَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سُكُوتُهُ يَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ لِلْبَيْعِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ سُكُوتَهُ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا سَكَتَ لِغَيْبَةِ شُهُودِهِ أَوْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ خَاصَمَ عِنْدَهُ لَا يَقْضِي لَهُ لِمَا عُلِمَ مِنْ حَالِ الْقَاضِي.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا فَمَاتَتْ فَطَالَبَ وَرَثَتُهَا بِمَهْرِهَا وَقَالُوا كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَقَالَ بَلْ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ حَادِثَةٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَهَبَ عَبْدَهُ لِوَارِثِهِ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ بَاعَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَفِي ذَلِكَ الْمَرَضِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ فَالْوَارِثُ يَدَّعِي الْعَوْدَ عَلَيْهِ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فِيمَا أَقْرَرْت حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ مَا كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَسْت بِمُبْطِلٍ فِيمَا أَدَّعِيهِ عَلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا: لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا فَلَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ لَيْلًا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُقِرِّ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ ادَّعَى الْجُزْءَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّنَا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَيَحْلِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَالْمُدَّعِي لَا يَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ.
[[مسائل متفرقة في الوكالة]]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا فَسَكَتَ صَارَ وَكِيلًا) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ مِنْ سَاعَتِهِ دَلِيلُ الْقَبُولِ عَادَةً وَنَظِيرُهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ إذَا سَكَتَ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ قَالَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْت أَرْضِي عَلَيْك وَقْفًا فَسَكَتَ صَحَّتْ وَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ الْوَقْفُ لَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي.
قَالَ (وَكَّلَهَا بِطَلَاقِهَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهَا) لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْيَمِينِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي) يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك أَيْ ثُمَّ يَقُولُ عَزَلْتُك؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute