للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا مَعَ أَنَّهُ رَقِيقُ رَقَبَةٍ فَالْحُرُّ يَدًا وَرَقَبَةً أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ وَالصَّبِيُّ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَهَذَا لِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ إتْلَافٌ مِنْهُ تَسَبُّبًا وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَيَضْمَنُ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ وَالصَّوَاعِقَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَقَدْ أَزَالَ حِفْظَ الْمَوْلَى عَنْهُ مُتَعَدِّيًا فَيُضَافُ إلَيْهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا كَالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان تَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ يَقُولُ إنَّهُ يَضْمَنُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسَبُّبًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ يَلْحَقُ بِالْكَثِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِرِضَاهُ كَالْبَالِغِ وَالْحُرِّ الصَّغِيرِ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ بِدُونِ رِضَاهُ فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَضْمَنُ.

وَالْمُكَاتَبُ لَا يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ مِمَّا صَنَعَ مِنْ قَيْدٍ وَنَحْوِهِ يَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ وَكَالْحُرِّ الْكَبِيرِ أَيْضًا كَمَا يَضْمَنُ الصَّغِيرُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْغَاصِبِ بِتَقْصِيرِ حِفْظِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَصَبِيٍّ أَوْدَعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ وَإِنْ أَوْدَعَ طَعَامًا وَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ كَمَا يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ إذَا قَتَلَ عَبْدًا أَوَدَعَ عِنْدَهُ وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُودَعِ وَالطَّعَامِ الْمُودَعِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُضْمَنُ الصَّبِيُّ الْمُودَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْدَعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَكَذَا الْإِعَارَةُ فِيهِمَا ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرَطَ فِي الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي عُمْرُهُ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ فِي الْحِفْظِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَكَمَا إذَا أَتْلَفَ غَيْرَ مَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ.

وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَهُ فِي يَدٍ غَيْرِ مَانِعَةٍ فَلَا يَبْقَى مَعْصُومًا إلَّا إذَا أَقَامَ غَيْرُهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ وَلَا إقَامَةَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَلْزَمَهُ وَلَا وِلَايَةَ لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَلْتَزِمَ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَالِغِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِكِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكٍ حَتَّى يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ بِالتَّسْلِيطِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِ عَبْدِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ تَسْلِيطُهُ فَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَقَبِلَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِنْزَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَهُوَ تَقْسِيمٌ حَسَنٌ اهـ.

[بَابُ الْقَسَامَةِ]

(بَابُ الْقَسَامَةِ) لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ ذَكَرَ هَاهُنَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فِي آخِرِ الدِّيَاتِ.

وَالْكَلَامُ فِي الْقَسَامَةِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِهَا وَالْخَامِسُ فِي صِفَتِهَا وَالسَّادِسُ فِي دَلِيلِهَا اعْلَمْ أَنَّ الْقَسَامَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْأَقْسَامِ كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنْ الْمُغْرِبِ وَقَالَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>