الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا تَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا وَجَارِيَةً فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ قَتَلَ الْعَبْدُ الْجَارِيَةَ وَرُدَّ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ مَعَهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ فَيَدْفَعُهَا الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دَفَعَ الْعَبْدَ كُلَّهُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ فَدَفَعَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَعِنْدَهُمَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ وَإِلَى الْغَاصِبِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ سَهْمٌ لِلْغَاصِبِ وَعَشَرَةٌ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَدْفَعُ مِنْهَا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَمَّا مَلَكَ الْجَارِيَةَ بِالضَّمَانِ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ قَتَلَ جَارِيَةً مَمْلُوكَةً.
وَجِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ لَمَّا تَبَيَّنَ فَعِنْدَهُ لَمَّا هُدِرَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْجَارِيَةِ بَقِيَ فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ دَمُ الْحُرِّ فَيُدْفَعُ كُلُّهُ إلَى وَلِيِّ دَمِ الْحُرِّ وَيَفْدِيهِ كُلَّهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَضَمَانُهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْجَارِيَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَحَقُّ الْغَاصِبِ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَبْدِ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى بِجِنَايَةٍ كَانَتْ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ جِنَايَةَ عَبْدِهِ عَلَى جَارِيَةِ الْغَاصِبِ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا وَلِلْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَوَقَعَتْ الْمُقَاصَصَةُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا جِنْسًا وَمِقْدَارُ دِيَةِ الْحُرِّ مَعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ مُخْتَلِفَانِ جِنْسًا وَقَدْرًا فَلَا يَتَقَاصَّانِ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ مُعْسِرًا وَقَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ انْتَظِرْ يَسَارَهُ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِ أَوْ فَدَاهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا أَيْسَرَ وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ مَرَّتَيْنِ وَاحِدَةً يَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهَا وَوَاحِدَةً تُسَلَّمُ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِ فَإِذَا أَيْسَرَ الْغَاصِبُ دَفَعَ إلَيْهِ الْجُزْءَ الثَّانِيَ لِجَوَازِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ فَيَثْبُتَ لَهُ حَقٌّ فِي الْعَبْدِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَمَتَى دَفَعَ جَمِيعَ الْعَبْدِ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ يَبْطُلُ حَقُّ الْغَاصِبِ فِي الْعَبْدِ مَتَى أَدَّى قِيمَةَ الْجَارِيَةِ فَيُوقَفُ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِمَّا عَلَيْهِ.
وَإِنْ قَالَ وَلِيُّ قَتِيلِهَا اضْرِبْ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ فِي الْغُلَامِ دَفَعَ إلَيْهِمَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ لِأَنَّ نِصْفَهُ لَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِلْحَالِ وَحَقُّ الْغَاصِبِ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْحَالِ وَفِي الثَّانِي عَسَى يَثْبُتُ وَعَسَى لَا يَثْبُتُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا فَيُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِمَا تَمَامًا لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ جُزْءٌ وَاحِدٌ وَفِي يَدِ الْمَوْلَى بَدَلُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا وَلِوَلِيِّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَوْلَى عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ قِيمَتِهَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بَدَلُ جَمِيعِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَامَ مَقَامَ الْجَارِيَةِ وَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ قَلِيلَ الْقِيمَةِ إذَا قَتَلَ كَثِيرَ الْقِيمَةِ وَدُفِعَ بِهِ قَامَ مَقَامَ جَمِيعِهِ فَإِذَا قَامَ الْعَبْدُ مَقَامَ جَمِيعِ الْجَارِيَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ جَمِيعُ الْجَارِيَةِ بِخِلَافِ وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَتَحَوَّلْ إلَى بَدَلِهِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُ الْعَبْدِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ الْغَاصِبَ هَدَرَ دَمُهُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا قَتَلَ الْمُرْتَهِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يُعْتَبَرُ حَتَّى يُؤْمَرَ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ لَهُمَا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ فَائِدَةً لِأَنَّ الْغَاصِبَ مَلَكَهُ بِالدَّفْعِ بِالْقِيمَةِ وَيُمْلَكُ عَبْدُ الْغَيْرِ بِالْقِيمَةِ مُفِيدًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَبِالْفِدَاءِ يَمْلِكُ دِيَةَ نَفْسِهِ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ ظَاهِرًا فَيَحْصُلُ لِلْغَاصِبِ زِيَادَةٌ عَلَى الْقِيمَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَائِدَةً فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَوْلَى مَتَى أَخَذَ الضَّمَانَ مِنْ الْغَاصِبِ يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ ظَهَرَتْ مِنْ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ هَدَرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَمْلُوكِهِ شَيْئًا وَجِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَوْلَاهُ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا لِمَا مَرَّ فِي الرَّهْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute