سَلَّمَهُ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ الْقَاضِي وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِهِ لَا يَبْرَأُ، وَلَوْ سَلَّمَهُ قُدَّامَ الْحَاكِمِ بَرِئَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ فِي الْحَبْسِ دَفَعْت نَفْسِي إلَيْك بِالْكَفَالَةِ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْكَفِيلُ لَا يُحْبَسُ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا شَرَطَ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ أَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ جَازَ.
قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ) لِعَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِهِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ وَوَارِثُهُمَا لَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ وَمَالُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي بُطْلَانِهَا بِمَوْتِ الْكَفِيلِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ فِي بَابِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالٍ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَيُطَالَبُ وَارِثُهُ بِإِحْضَارِهِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَيَّدَ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّ الْكَفِيلَ بِالْمَالِ إذَا مَاتَ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ مُمْكِنٌ فَيُوَفَّى مِنْ مَالِهِ ثُمَّ تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَتْ بِأَمْرِهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَا رُجُوعَ لَهُمْ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَإِلَّا فَلَا كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَوْتُ الطَّالِبِ فَلَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّ وَصِيَّهُ وَوَارِثَهُ يَخْلُفُونَهُ، أَطْلَقَ الْمَطْلُوبَ فَشَمِلَ الْعَبْدَ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْمَالَ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ نَفْسَ الْعَبْدِ لَا يَبْرَأُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ. اهـ.
وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ فِي بُطْلَانِهَا عَلَى مَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ إلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسٍ ثُمَّ أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِتَسْلِيمِهِ وَلَا يَبْرَأُ، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لَا حَقَّ لِي قَبْلَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا مِنْ جِهَته وَلَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ لَا بِوَكَالَةٍ وَلَا بِوِصَايَةٍ وَلَا بِوِلَايَةٍ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ. اهـ.
فَقَوْلُهُمْ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ صُورَةَ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرَهُ فَحِينَئِذٍ الْكَلَامُ عَلَى عُمُومِهِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَيُسَلِّمُهُ الْكَفِيلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى بَعْضِهِمْ بَرِئَ مِنْهُمْ خَاصَّةً وَلِلْبَاقِينَ مُطَالَبَتُهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَلِوَصِيِّهِمْ مُطَالَبَتُهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ بَرِئَ فِي حَقِّهِ وَلِلْآخَرِ مُطَالَبَتُهُ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. اهـ.
وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحِ إلَى النُّتَفِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ الْكَفَالَةُ عَلَى الْكَفَالَةِ جَائِزَةٌ وَبِمَوْتِ الْأَصِيلِ يَبْطُلَانِ وَبِمَوْتِ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ يَبْرَأُ الثَّانِي وَالْحَوَالَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ وَالثَّانِيَةَ تَزِيدُهُ وَالْحَوَالَةَ نَفْلٌ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ. اهـ. .
قَوْلُهُ (وَبَرِئَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إذَا دَفَعْته إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ) لِأَنَّ مُوجِبَ الدَّفْعِ إلَيْهِ الْبَرَاءَةُ فَثَبَتَ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا كَالْمَدْيُونِ إذَا سَلَّمَ الدَّيْنَ وَالْغَاصِبِ إذَا سَلَّمَ الْمَغْصُوبَ وَالْبَائِعَ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ سَلَّمْته إلَيْك بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ أَوْ لَا إنْ طَلَبَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا أَقَرَّ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الْمَكْفُولِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ وَلَوْ سَلَّمَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ إلَى الطَّالِبِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُنْزَلُ قَابِضًا كَالْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْعَيْنَ وَالْمَدْيُونِ إذَا دَفَعَ الدَّيْنَ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَهُ فُضُولِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ، كَمَا إذَا قَضَى الدَّيْنَ فُضُولِيٌّ أَيْ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ إلَيْهِ رَاجِعٌ إلَى الطَّالِبِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ صَاحِبِ الْحَقِّ كَمَا إذَا كَانَ الْآخِذُ لِلْكَفِيلِ وَكِيلَ الدَّائِنِ فَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا وَإِلَى الْوَكِيلِ إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَبْرَأْ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
[تَبْطُلُ الْكَفَالَة بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ]
(قَوْلُهُ: الْكَفَالَةُ عَلَى الْكَفَالَةِ جَائِزَةٌ إلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا مُوَضَّحًا عَنْ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ.