للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ جَعَلْته طَلَاقًا وَقَعَ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَالسَّيِّدُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ لِمَا رَوَيْنَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ إنْ بَدَأَ الْعَبْدُ فَقَالَ زَوِّجْنِي أَمَتُك هَذِهِ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِك تُطَلِّقُهَا كُلَّمَا شِئْت فَزَوَّجَهَا مِنْهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى وَلَوْ ابْتَدَأَ الْمَوْلَى فَقَالَ زَوَّجْتُك أَمَتِي عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي أُطَلِّقُهَا كُلَّمَا أُرِيدُ فَقَالَ الْعَبْدُ قَبِلْت جَازَ النِّكَاحُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى اهـ.

فَإِنْ قُلْت مَا الْحِيلَةُ فِي صَيْرُورَةِ الْأَمْرِ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ تَمَّ النِّكَاحُ بِقَوْلِ الْمَوْلَى زَوَّجْتُك أَمَتِي فَيُمْكِنُ الْعَبْدُ أَنْ لَا يَقْبَلَ فَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى قُلْت يَمْتَنِعُ الْمَوْلَى مِنْ تَزْوِيجِهِ حَتَّى يَقُولَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ إذَا تَزَوَّجْتهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِك أَبَدًا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا الْمَوْلَى لَهُ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى وَلَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُهُ أَبَدًا، وَالْفَرْعُ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ.

قَوْلُهُ: (وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّسَاءِ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِهِ بِالْمَرْأَةِ فَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرْفَعُهُ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» جُعِلَ طَلَاقُ جِنْسِ الْإِمَاءِ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ لَامَ الْجِنْسِ عَلَى الْإِمَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: طَلَاقُ كُلِّ أَمَةٍ ثِنْتَانِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِثْلُ قَوْلِنَا وَعَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ عَدَدِهِ بِالزَّوْجِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ لَهُ أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثَلَاثًا كَيْفَ يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ قَالَ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ لَهُ: حَسْبُك قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

(بَابُ الطَّلَاقِ) .

أَيْ أَلْفَاظُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا تَقَدَّمَ كَانَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَأَقْسَامِهِ الْأَوَّلِيَّةِ السُّنِّيِّ، وَالْبِدْعِيِّ وَإِعْطَاءً لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ فَإِنَّ الْمَوْرِدَ فِيهِ خُصُوصُ أَلْفَاظٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ لِإِعْطَاءِ أَحْكَامِهَا هَكَذَا أَوْ مُضَافَةٌ إلَى بَعْضِ الْمَرْأَةِ وَإِعْطَاءِ حُكْمِ الْكُلِّيِّ وَتَصْوِيرِهِ قَبْلَ الْجُزْئِيِّ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ تَفْصِيلٍ يَعْقُبُ إجْمَالًا فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ أَحْكَامِ مَا بِهِ الْإِيقَاعُ، وَالْوُقُوعُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي لَا تَحَقُّقَ لَهُ خَارِجًا اهـ.

قَوْلُهُ: (الصَّرِيحُ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ مُطْلَقَةٍ أَمَّا بِتَخْفِيفِهَا فَمُلْحَقٌ بِالْكِنَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَرَائِحَ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فَأَوْلَى بِالصَّرَاحَةِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَمَّا مَنْ صَرَّحَ خَلَصَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْغَيْرِ وَزْنًا وَمَعْنًى فَهُوَ صَرِيحٌ وَكُلُّ خَالِصٍ صَرِيحٌ وَمِنْهُ قَوْلٌ صَرِيحٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ وَتَأْوِيلٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ أَوْ مَنْ صَرَّحَهُ أَظْهَرَهُ، وَفِي الْفِقْهِ هُنَا مَا اُسْتُعْمِلَ فِي الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْوِقَايَةِ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ تَدَافُعٌ فَإِنَّهُ عَلَّلَ كَوْنَهَا صَرَائِحَ

ــ

[منحة الخالق]

عَادَ الضَّمِيرُ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ فَلْيُحَرَّرْ الْفَرْقُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْفَرْقِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطِ الْمَوْلَى. . . إلَخْ) ذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْعًا أَبْدَى فِيهِ الْفَرْقَ وَنَظَرَ هَذِهِ بِهِ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الطَّلَاقُ فَقَالَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا بَدَأَ الزَّوْجُ وَقَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا شِئْت فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت جَازَ النِّكَاحُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَانَ الطَّلَاقُ، وَالتَّفْوِيضُ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ التَّفْوِيضُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ بَعْدَ كَلَامِ الْمَرْأَةِ قَبِلْت.

وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبِلْت عَلَى أَنَّك طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِك فَيَصِيرُ مُفَوِّضًا بَعْدَ النِّكَاحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>