الْكَافِي مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَفِي التَّهْذِيبِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ بِالْمِثْلِ وَالْمِثْلُ مَا يُلْبَسُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَقِيلَ فِي الْأَعْيَادِ وَقِيلَ فِي الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ الدَّيْنُ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ دَيْنَ الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْبَعْضُ دَيْنَ الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ سَوَاءً لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْبَعْضُ دَيْنَ الْمَرَضِ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْمُعَايَنَةِ فَهُوَ دَيْنُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَسُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَطَلَبَ مِنْهُ الْوَرَثَةُ تَسْلِيمَ ذَلِكَ وَعَلَى الْمَيِّتِ دُيُونٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَأَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ فَصَالَحَهُ الْوَرَثَةُ عَمَّا عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ دَفَعَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَيْهِمْ هَلْ يَغْرَمُ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ فَقَالَ نَعَمْ وَلَا يَبْرَأُ بِهَذَا الصُّلْحِ وَسُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ مَالٌ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَلَا شَيْءَ فِي أَيْدِيهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ دُيُونٌ عَلَى مَنْ يَدَّعِي صَاحِبُ الدَّيْنِ وَعَلَى مَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَفِي الْفَرَائِضِ لِلْحُسَامِيِّ، ثُمَّ تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْكَفَنِ وَالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى سِهَامِ الْمِيرَاثِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ شَائِعًا نَحْوُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ لَا تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمِيرَاثِ بَلْ يَكُونُ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكَ الْوَرَثَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُزَادُ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَيَنْقُصُ حَقُّهُ بِنُقْصَانِ تَرِكَة الْمَيِّتِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ بِدَيْنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْت «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ» وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ وَالْبُدَاءَةُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى وَالتَّقْدِيمُ ذِكْرًا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ فِعْلًا وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا دَيْنُ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعَتْ الْوَرَثَةُ بِهَا مِنْ عِنْدِهِمْ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِهِ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ الِابْتِلَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْفَصْلُ فِيهَا وَلَا الْعِبَادَةُ حَتَّى يُجِيزَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ دَيْنِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَأَخَذَ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا فِعْلُهُ وَنِيَّتُهُ ابْتِلَاءً، وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ مَالِهِ وَعَنْ الْعَالَمِينَ جَمِيعًا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَى الْعَبْدِ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِيَتَدَارَكَ مَا فَرَّطَ فِيهِ تَفَضُّلًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ قَامَ فَعَلَ الْوَرَثَةُ مَقَامَ فِعْلِهِ لِوُجُودِ اخْتِيَارِهِ بِالْإِيصَاءِ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ وَصِيَّتُهُ) أَيْ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ لِمَا تَلَوْنَا وَفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ هُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ حَتَّى إذَا سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ إلَّا مَا فَضَلَ مِنْهُمَا.
[مِيرَاث أَصْحَاب الْفُرُوض]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَيْ ذُو سَهْمٍ مُقَدَّرٍ) لِمَا تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا فَضَلَ فَلِذِي عَصَبَةٍ ذَكَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦] {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِلْأَبِ السُّدُسُ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١١] جَعَلَ لَهُ السُّدُسَ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدُ الِابْنِ وَلَدٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: ٢٦] وَكَذَا عُرْفًا قَالَ الشَّاعِرُ
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
وَلَيْسَ دُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْوَلَدِ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ عُرِفَ كَوْنُ وَلَدِ الِابْنِ كَحُكْمِ الْوَلَدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَجَمِيعُ أَحْوَالِ الْأَبِ فِي الْفَرَائِضِ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا الْفَرْضُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ السُّدُسُ وَذَلِكَ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ لِمَا تَلَوْنَا وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ وَذَلِكَ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ الْفَرْضِ بِمَا تَلَوْنَا وَالتَّعْصِيبُ لِمَا رَوَيْنَا وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ التَّعْصِيبُ الْمُطْلَقُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] ذَكَرَ فَرْضَ الْأُمِّ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَدُّ كَالْأَبِ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نِسْبَتِهِ أُمٌّ إلَّا فِي رَدِّهَا إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَحَجْبُ أُمِّ الْأَبِ فَيُحْجَبُ الْإِخْوَةُ) أَيْ الْجَدُّ كَالْأَبِ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نَسَبِهِ إلَى الْمَيِّتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute