للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا إنَّهُ غَايَةٌ لِتَعْيِينِ عَدَمِ الْجَبْرِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ فَيَبْقَى عَدَمُ الْجَبْرِ كَمَا كَانَ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ» فَإِنَّ سَمَاعَ كَلَامِ الْآخَرِ غَايَةٌ لِتَعَيُّنِ عَدَمِ الْقَضَاءِ لَا لِعَدَمِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْقَضَاءُ لِأَحَدِهِمَا عِنْدَ سَمَاعَ كَلَامِ الْآخَرِ اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَبِدُّ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا جَبْرَ هَاهُنَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ فَصَدَقَ عَدَمُ الْجَبْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا وَفِي الصُّغْرَى إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي وَجَدْتُ الْمَبِيعَ مَعِيبًا لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوْ يُحَلِّفَهُ وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى إيفَاءَ الدَّيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ دَفَعَ إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ) لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ فَإِنْ نَكَلَ الْتَزَمَ الْعَيْبَ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ مِنْهُ وَتَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِقِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ وَلَكِنْ أَنْكَرَ قَدَّمَهُ لِمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ شُهُودِي بِالشَّامِّ إنَّهُ قَالَ إنَّ لَهُ بَيِّنَةً غَائِبَةً عَنْ الْمِصْرِ سَوَاءٌ كَانُوا بِالشَّامِ أَوْ بِغَيْرِهَا.

وَالشَّامُ بِلَادٌ مِنْ مُسَامَةِ الْقِبْلَةِ وَسُمِّيَتْ لِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ بَنِي كَنْعَانَ تَشَاءَمُوا إلَيْهَا أَيْ سَارُوا أَوْ سُمِّيَ بِسَامِ بْنِ نُوحٍ فَإِنَّهُ بِالشِّينِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ أَوْ لِأَنَّ أَرْضَهَا شَامَاتٌ بَيْضٌ وَحُمْرٌ وَسُودٌ وَعَلَى هَذَا لَا يُهْمَزُ وَقَدْ يَذْكُرُ وَهُوَ شَامِيٌّ وَشَآمُ وَشَامِيٌّ أَتَاهَا وَتَشَأَّمَ انْتَسَبَ إلَيْهَا وَشَامَهُمْ تَشْئِيمًا سَيَّرَهُمْ إلَيْهَا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَاهُ غَيْبَتَهُمْ عَنْ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَمْهَلَهُ وَإِذَا حَلَفَ بَائِعُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَقَضَى بِالدَّفْعِ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً فَأَقَامَهَا تُقْبَلُ.

وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَنْفُذُ فِيهِ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَلَمْ يَتَنَاكَرْ الْعَقْدُ بَلْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى هُنَا دَعْوَى مَالٍ عَلَى تَقْدِيرٍ فَالْقَضَاءُ هُنَا بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَى غَايَةِ حُضُورِ الشُّهُودِ بِالْمَسْقَطِ وَلَا خِلَافَ فِي مِثْلِهِ أَعْنِي مَا إذَا قَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ أَوْ قَالَ لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ وَأَمَّا إذَا قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي فَحَلَفَ خَصْمُهُ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ فِي أَدَبِ الْقَاضِي تُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَتَأْتِي بِشُعَبِهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.

(قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى إبَاقًا لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ فَإِنْ بَرْهَنَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَيْبًا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيُمْكِنُ حُدُوثُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوَّلًا عَلَى قِيَامِهِ بِالْمَبِيعِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ لِيَنْتَصِبَ الْبَائِعُ خَصْمًا فَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ لَا يَمِينَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى تَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا يَتَرَتَّبُ التَّحْلِيفُ وَلَهُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لُزُومَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ قَبْلَ ثُبُوتِ أَصْلِ الدَّيْنِ مَعَ أَنَّ فَرَاغَ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ أَصْلٌ وَالشَّغْلُ عَارِضٌ كَالْعَيْبِ عَارِضٌ.

وَأُجِيبَ لَوْ شَرَطَ إثْبَاتَهُ لَمْ يَتَوَصَّلْ الْمُدَّعِي إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْرَفُ بِآثَارٍ تُعَايَنُ أَوْ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ الْقَابِلَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْبَيِّنَةِ تَرَتُّبَ الْيَمِينِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَكُونُ الْإِنْسَانُ فِيهَا خَصْمًا

ــ

[منحة الخالق]

لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ قَدِيمًا أَوْ لَا إلَخْ

[قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا]

(قَوْلُهُ وَتَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ وَفِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَمُرَادُهُ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ قَوْلِهِ يَحْلِفُ بَائِعُهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي فِي دَعْوَى الْإِبَاقِ لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي إلَخْ فَإِنَّ مَا يَأْتِي مِنْ إفْرَادِ دَعْوَى الْعَيْبِ وَبَيَانِ الدَّفْعِ أَنَّ مَحْمَلَ مَا هُنَا مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا إذَا أَقَرَّ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ أَنْكَرَ قِدَمَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانِ الْمُشْتَرِي عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ نَفْسِهِ وَمَا سَيَأْتِي مِنْ دَعْوَى الْإِبَاقِ عَلَى مَا إذَا أَنْكَرَ قِيَامَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مِمَّا لَا دَلِيلَ فِي كَلَامِهِ عَلَيْهِ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ مَوْضُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَيْبٍ لَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُهُ كَالْوِلَادَةِ فَإِذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَلَا بُرْهَانَ لَهُ حَلَفَ بَائِعُهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ وَلَوْ ادَّعَى إبَاقًا بَيَانٌ لِمَا يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ وَإِلَّا كَانَ الثَّانِي حَشْوًا فَتَدَبَّرْهُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ عَرَجَ عَلَيْهِ اهـ.

قُلْتُ: وَهَذَا التَّوْفِيقُ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصَ عَيْبِ الْإِبَاقِ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ لِمَا سَيَأْتِي وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَتَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَدَلُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>