صَاحِبُ الزَّاهِرِ، وَالْأَرْمَلَةُ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْمَلَ الْقَوْمُ إذَا فَنَى زَادُهُمْ، وَالذَّكَرُ يُسَمَّى أَرَمْلًا مَجَازًا ثُمَّ الْيَتَامَى إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ يَدْخُلُ الْغَنِيُّ، وَالْفَقِيرُ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ خَاصَّةً مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْيَتَامَى يُذْكَرُونَ وَيُرَادُ بِهِمْ الْفُقَرَاءُ الْمُحْتَاجُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ ذَكَرَ الْيَتَامَى وَأَرَادَ بِهِمْ الْمُحْتَاجِينَ.
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اسْمَ الْيَتِيمِ لُغَةً مِمَّا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ فَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً بِالصَّدَقَةِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالصَّدَقَةِ وَصِيَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ جَائِزَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَعْلُومٌ فَأَنْكَرَ تَخْصِيصَ الْمُحْتَاجِينَ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ بِإِضَافَةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمْ تَصْحِيحًا لِعَقْدِهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ وَاحِدًا فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ.
فَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ أَوْ ثَيِّبِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ أَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ وَلَمْ يُحْصَوْا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ وَلَيْسَ فِي اسْمِ الْأَيِّمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ بِخِلَافِ الْأَرَامِلِ، وَالْيَتَامَى عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ كُنَّ يُحْصِينَ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَالْأَيِّمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا جُومِعَتْ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا بَلَغَتْ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: وَأَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ الْجِمَاعُ، وَالْأُنُوثَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ حَتَّى قَالَا بِأَنَّ الرَّجُلَ، وَالْبِكْرَ إذًا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ
إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى
النِّسْوَةَ الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى، وَالْقُبُورُ كَمَا تَضُمُّ الثَّيِّبَ تَضُمُّ الْبِكْرَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْعَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا» عَطَفَ الْبِكْرَ عَلَى الْأَيِّمِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يَعْنِي لِوَرَثَةِ فُلَانٍ يُدْفَعُ لِلذَّكَرِ قَدْرُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِرَاثَةِ وَتَرَتُّبُ الِاسْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى الْعَلِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَصَّ عَلَى الْوِرَاثَةِ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ بِقَدْرِهَا.
ثُمَّ شَرْطُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ الْمُوصَى لِوَرَثَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى حَتَّى يُعْرَفَ وَرَثَتُهُ مِنْهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ وَرَثَتِهِ مُوصًى لَهُ آخَرُ قَسَّمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَلَى الرُّءُوسِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَرَثَةُ جُمِعَ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ]
(بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالثَّمَرَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْوَصِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ وَأَخَّرَ هَذَا الْبَابَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ الْأَعْيَانِ وُجُودًا فَأَخَّرَهَا عَنْهَا وَضْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَيَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَاَلَّذِي يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ هُوَ الَّذِي يَتَمَلَّكُ الْمَنَافِعَ بِعِوَضٍ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي إلَّا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي بَلَدٍ أُخْرَى فَيُخْرِجُهُ إلَى بَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْخِدْمَةُ وَمَتَى أَمْكَنَ تَوَصُّلُهُ إلَى الْخِدْمَةِ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي فَلَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مُدَّةً وَأَبَدًا أَنَّهَا تَجُوزُ مُؤَبَّدَةً وَمُؤَقَّتَةً كَمَا فِي الْعَارِيَّةُ وَتَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُورِثِ فِيمَا كَانَ لَهُ وَذَلِكَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى، وَالْمَنْفَعَةُ عِوَضٌ يَعْنِي وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ، وَالْعَبْدِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُجَوِّزُ لِلْوَصِيَّةِ بِهَا الْحَاجَةُ وَهِيَ تَشْمَلُ الْكُلَّ إذْ الْمُوصِي يَحْتَاجُ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ مُحْتَاجٌ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ الرَّقِيقِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَغَلَّةِ الرَّقِيقِ، وَالدُّورِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالْبَسَاتِينِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الرَّقِيقِ وَسُكْنَى الدُّورِ وَغَلَّةِ الرَّقِيقِ فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ السَّنَةُ مُعَيَّنَةً بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ مَثَلًا سَنَةَ سَبْعِينَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ سَنَةَ كَذَا.
وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute