وَلَمْ يُقَيِّدْ فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ الْغَيْبَةَ بِشَيْءٍ إلَّا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ إيجَابُ النَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُدَّةَ سَفَرٍ اهـ.
وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّهُ فِيمَا دُونَهُ يَسْهُلُ إحْصَارُهُ وَمُرَاجَعَتُهُ.
(قَوْلُهُ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْكِسْوَةَ، وَالْمَنْقُولُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمُجْتَبَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَسْتَحِقُّ الْكِسْوَةَ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَطُولُ غَالِبًا فَتَسْتَغْنِي عَنْهَا حَتَّى لَوْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا يُفْرَضُ لَهَا ذَلِكَ اهـ.
فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ كِسْوَةَ الْمُعْتَدَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ إذَا اسْتَغْنَتْ عَنْهَا لِقِصَرِ الْمُدَّةِ كَمَا إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ وَحَاضَتْ أَوْ بِالْأَشْهُرِ فَإِنَّهُ لَا كِسْوَةَ لَهَا وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَلَمْ تَحِضْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ لَهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَهُوَ تَحْرِيرٌ حَسَنٌ مَفْهُومُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَطْلَقَ الطَّلَاقَ فَشَمِلَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ فِيهِمَا فِي حَقِّ حُكْمٍ مَقْصُودٍ وَهُوَ الْوَلَدُ إذْ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ كَنَفَقَةِ النِّكَاحِ وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا بِفَرْضٍ أَوْ صُلْحٍ وَإِنْ اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ تَرْجِعُ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ وَالْمَشَايِخِ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلْمُعْتَدَّةِ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي عَدَمِ انْقِضَائِهَا مَعَ يَمِينِهَا فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهَا بِانْقِضَائِهَا بَرِئَ مِنْهَا وَإِنْ ادَّعَتْ حَبَلًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مُنْذُ يَوْمِ طَلَّقَهَا فَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي حَامِلٌ وَلَمْ أَحِضْ وَأَنَا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا الَّذِي بِي رِيحٌ وَأَنَا أُرِيدُ النَّفَقَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتِي، وَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ ادَّعَيْتِ الْحَبَلَ وَأَكْثَرُهُ سَنَتَانِ فَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ إمَّا بِثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ بِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهُ فَإِنْ حَاضَتْ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ اسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ وَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ فِي زَمَانِنَا هِيَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحَبَلَ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا فَقَرَّرَ لَهَا نَفَقَةً عَلَى أَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا رَدَّتْ مَا أَخَذَتْهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُعْتَدَّةُ إذَا لَمْ تَأْخُذْ النَّفَقَةَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَفْرُوضَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ اهـ.
وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْقَاضِي أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَتْ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ كَاسْتِدَانَتِهِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَأَشَارَ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ حَيْثُ عَلَّلَ فَقَالَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ النَّفَقَةِ الْعِدَّةُ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهَذَا السَّبَبِ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ أَلَا تَرَى الذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ لَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَتَصِيرُ دَيْنًا وَهُنَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَهُوَ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْمُطَالَبَةِ بِهَا قِيَامُ السَّبَبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَلَى الزَّوْجِ مُؤْنَةُ سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْزِلٌ مَمْلُوكٌ يَكْتَرِي مَنْزِلًا لَهَا وَيَكُونُ الْكِرَاءُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَدِينَ الْكِرَاءَ، ثُمَّ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي النَّفَقَةِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنْ كَانَ الْمَنْزِلُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ الزَّوْجُ مِنْ الْمَنْزِلِ وَيَعْتَزِلَ عَنْهَا وَيَتْرُكَهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَنْزِلُ بِالْكِرَاءِ وَإِنْ اسْتَكْرَى لَهَا مَنْزِلًا آخَرَ يَجُوزُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتْرُكَهَا فِي الْمَنْزِلِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي فَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى آهو وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِظُهُورِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَفْرِضُ الْقَاضِي نَفَقَةَ عُرْسِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَةُ عُرْسِ الْمُتَوَارَى فِي الْبَلَدِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَفْقُودُ. اهـ.
قُلْت وَفَتَاوَى آهو وَهِيَ فَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ فَإِنَّ الصَّيْرَفِيَّ اشْتَهَرَ بِهُوَ كَمَا تَرْجَمَهُ بَعْضُهُمْ.
[النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ]
(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا تَسْقُطُ بِدُونِ لَا وَهِيَ الصَّوَابُ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ) قَالَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقُ الْمُتُونِ يَشْهَدُ لِمَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ