للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِيه فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْبَةُ، وَالْإِنَابَةُ ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَةُ الْحَدِّ اهـ.

وَهُوَ مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ وَيُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ هُنَا الْأَعَمُّ مِنْ مِلْكِ الْعَيْنِ وَمِنْ مِلْكِ حَقِيقَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَدَخَلَ تَحْتَ شُبْهَةِ الْمِلْكِ حَقُّ الْمِلْكِ وَشُبْهَةُ النِّكَاحِ وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَقَدْ فَصَّلَهَا فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ الْعَارِي عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَعَنْ شُبْهَتِهِ وَعَنْ حَقِّ الْمِلْكِ وَعَنْ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ وَشُبْهَتِهِ وَعَنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فِي الْمِلْكِ، وَالنِّكَاحِ جَمِيعًا اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ إذَا زَنَا فِي حَالِ إفَاقَتِهِ أُخِذَ بِالْحَدِّ، وَإِنْ قَالَ زَنَيْت فِي حَالِ جُنُونِي لَا يُحَدُّ كَالْبَالِغِ إذَا قَالَ زَنَيْت فِي حَالِ الصِّبَا.

قَوْلُهُ (: وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا لَا بِالْوَطْءِ، وَالْجِمَاعِ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِم ظَاهِرًا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْ الرِّجَالِ يَشْهَدُونَ بِلَفْظِ الزِّنَا لَا بِلَفْظِ الْوَطْءِ، وَالْجِمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك» وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ تَحْقِيقَ مَعْنَى السَّتْرِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ، وَالْإِشَاعَةُ ضِدُّهُ فَعَلَى هَذَا فَالشَّهَادَةُ بِالزِّنَا خِلَافُ الْأَوْلَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ بِالزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ، وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِش، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْغَافِلِينَ وَبِالزَّجْرِ لَهُمْ، فَإِذَا أَظْهَرَ حَالَ الشَّرَهِ فِي الزِّنَا مَثَلًا، وَالشُّرْبِ وَعَدَمَ مُبَالَاتِهِ فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ حِينَئِذٍ بِالْحُدُودِ وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الذُّكُورَةِ فِي الشُّهُودِ لِإِدْخَالِ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ فِي الْمَنْصُوصِ وَأَطْلَقَهُمْ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَحَدَهُمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ هُوَ مُتَّهَمٌ وَنَحْنُ نَقُولُ التُّهْمَةُ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ، وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ قَذَفَهَا فَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَهَا وَشَهِدَ بِالزِّنَا وَمَعَهُ ثَلَاثَةٌ حُدَّ الثَّلَاثَةُ لِلْقَذْفِ وَعَلَى الزَّوْجِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الزَّوْجِ لَمْ تُقْبَلْ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ يَسْعَى فِي دَفْعِ اللِّعَانِ عَنْ نَفْسِهِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُ الشُّهُودِ إنَّ فُلَانًا قَدْ زَنَى أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت ثُمَّ جَاءَ وَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمَا ذُكِرَ فِي الزَّوْجِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْمَرْأَةِ أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا بِالزِّنَا بِابْنِ زَوْجِهَا مُطَاوَعَةً لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ إسْقَاطَ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِسْقَاطَ النَّفَقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُحَدُّ الزَّوْجُ اهـ.

وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ جَاءُوا مِثْلَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فُرَادَى لَجَلَدْتُهُمْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَوْ جَاءُوا فُرَادَى وَقَعَدُوا مَقْعَدَ الشُّهُودِ وَقَامَ إلَى الْقَاضِي وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حُدُّوا جَمِيعًا اهـ.

وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ لَفْظَ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ لَا لَفْظُ الْوَطْءِ، وَالْجِمَاعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ لَفْظٌ مَقَامَ لَفْظِ الزِّنَا فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وَطِئَهَا وَطْئًا مُحَرَّمًا لَا يَثْبُتُ بِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِالزِّنَا إلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ زَنَى وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا تُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا.

وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا وَشَهِدَ الرَّابِعُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا فَعَلَى الثَّلَاثَةِ الْحَدُّ اهـ.؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ

ــ

[منحة الخالق]

الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ اهـ.

وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّ جَهْلَهُ يَكُونُ عُذْرًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ فَمَتَى يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُذْرًا، وَأَمَّا نَفْيُ كَوْنِهِ عُذْرًا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ لِمَعْرِفَةِ هَذَا الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَحَلُّ نَظَرٍ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُشْكِلُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) تَمَامُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ هَكَذَا إلَّا وُجُوبَهُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ) هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَدَّعِيَ الْحِلَّ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْبَابِ التَّالِي.

[مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا]

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ لَفْظٌ مَقَامَ لَفْظِ الزِّنَا) هَذَا فِي غَيْرِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ أَمَّا فِيهِمَا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ قِيَامِهِمَا مَقَامَ الزِّنَا كَمَا لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>