للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ مَسْجِدٌ أَبَدًا إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَا يَعُودُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ أَوْ لَا وَهُوَ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَفِي الْمُجْتَبَى وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ الْأَوْجَهُ قَالَ وَأَمَّا الْحُصْرُ وَالْقَنَادِيلُ فَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ مُتَّخِذِهِ بَلْ يُحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ يَبِيعُهُ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ لِلْمَسْجِدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْفَرَسِ إذَا جَعَلَهُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُرْكَبَ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبَهُ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ فَرَسًا آخَرَ يُغْزَى عَلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَاكِمِ وَلَوْ جَعَلَ جِنَازَةً وَمُلَاءَةً وَمُغْتَسَلًا وَقْفًا فِي مَحَلَّةٍ وَمَاتَ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ لَا تُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ بَلْ تُحْمَلُ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْبَوَارِي وَالْحُصْرُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْوَرَثَةِ.

وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَوْضِ إذَا خَرِبَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهُ أَنَّهُ تُصْرَفُ أَوْقَافُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ الْمَسْجِدِ لِخَرَابِ الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ وَتَفَرُّقِ أَهْلِهَا مَا إذَا انْهَدَمَ الْوَقْفُ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ مَا يُمْكِنُ بِهِ عِمَارَتُهُ بِهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَرْجِعُ النَّقْضُ إلَى بَانِيهِ أَوْ وَرَثَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.

وَكَذَا حَانُوتٌ فِي سُوقٍ احْتَرَقَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ يَخْرُجُ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ وَكَذَا فِي حَوْضِ مَحَلَّةٍ خَرِبَ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعَمَّرُ بِهِ عَادَ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَكَذَا الرِّبَاطُ إذَا خَرِبَ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا وَلَوْ بَنَى رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَالْبِنَاءُ لِلْبَانِي وَأَصْلُ الْوَقْفِ لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ. اهـ.

وَأَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَأَقُولُ: بَلْ النَّظَرُ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْجِدِ فَكَذَا فِيمَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ الْخَرَابِ فَكَيْفَ يُنْقَلُ عَنْهُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَانُوتِ وَلَقَدْ رَجَعَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى الْحَقِّ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ سُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إذَا تَعَطَّلَتْ وَتَعَذَّرَ اسْتِغْلَالُهَا هَلْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أُخْرَى قَالَ نَعَمْ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا صَارَ الْوَقْفُ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتَى عَلَى قَوْلِهِ بِرُجُوعِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَوَرَثَتِهِ بِمُجَرَّدِ تَعَطُّلِهِ أَوْ خَرَابِهِ بَلْ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَقْفٌ يُسْتَغَلُّ

ــ

[منحة الخالق]

[جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ]

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحَصِيرُ وَالْقَنَادِيلُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ ذَلِكَ لِلَّذِي وَقَفَهُ وَبَسَطَهُ يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ كَيْفَ شَاءَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْوَاقِفُ وَلَا وَارِثُهُ لَا بَأْسَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَدْفَعُوهُ إلَى فَقِيرٍ وَلَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ ثُمَّ يَبْتَاعُوا بِثَمَنِهِ حُصْرًا أُخَرَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ جَازَ بَيْعُهُمْ أَقُولُ: قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَخْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِمَا عُلِمَ مِنْ فَسَادِ قُضَاةِ هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا بَاعَهُ الْقَاضِي وَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ نَظَرٌ) بَيَّنَ الْمُؤَلِّفِ وَجْهَ النَّظَرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُقْسَمُ بِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ اهـ.) أَيْ اهـ. كَلَامُ الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ وَأَقُولُ: بَلْ النَّظَرُ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ التَّدَافُعِ بَيْنَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ غَيْرُ وَاقِعٍ لِأَنَّ بَيْعَهُ إنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ عَوْدُهُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ فَلَا تَدَافُعَ نَعَمْ الْمَعْمُولُ بِهِ مَا رَوَاهُ هِشَامٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ كَذَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَقَدْ رَجَعَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى الْحَقِّ) .

اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَقِّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ وَمَا الْبَاطِلُ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ رَدُّهُ عَلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حَيْثُ نَظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ رَجَّحَ أَوَّلًا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ أَوْجَهُ وَلَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَلْ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) .

حَاصِلُ هَذَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَابِقِ كَلَامِهِ وَلَاحِقِهِ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ لِلْغَلَّةِ لَا تَخْرُجُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ بِالْخَرَابِ بَلْ الِاسْتِغْلَالُ حَاصِلٌ بَعْدَهُ بِإِيجَارِهَا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ بِخِلَافِ الْمُعَدَّةِ لِلسُّكْنَى وَنَحْوِ الرِّبَاطِ وَالْحَانُوتِ فَإِنَّهَا بِالْخَرَابِ تَخْرُجُ عَمَّا قَصَدَهُ الْوَاقِفُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِرُجُوعِ الْوَقْفِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ مُطْلَقًا لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا الْقَائِلَ بِعَوْدِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ خَرَابِهِ أَوْ تَفَرُّقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِلْكِ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ عَوْدِ الْعِمَارَةِ قَائِمٌ وَقَدْ يُصَلِّي فِيهِ الْمُجْتَازُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>