للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ نَقْلِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ قَالُوا هَذَا كَشَفَ عَنْ مَذْهَبِهِ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ أَيْضًا قِيلَ إذًا قَوْلُنَا بِجَوَازِ التَّكْفِيلِ كَشْفٌ عَنْ الِاعْتِزَالِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْإِيرَادَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُمَا جَوَّزَا بِالِاجْتِهَادِ أَخْذَ الْكَفِيلِ قِيَاسًا عَلَى رَدِّ الْآبِقِ وَاللُّقَطَةِ فَأَنَّى يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا وَالِاسْتِدْلَالُ مِنْ وَصْفِ الْإِمَامِ بِالظُّلْمِ بِنَاءً عَلَى مُلَازَمَةٍ عَادِيَةٍ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْعَصْرِ مِنْ عَدَمِ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ إلَّا مِنْ الْمُجْتَهِدِ فَكَانَ التَّكْفِيلُ الصَّادِرُ مِنْ الْقَاضِي تَكْفِيلًا مِنْ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الْقَاضِي الْمَعْهُودُ وَزُيِّفَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِلَا خِلَافٍ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ بِالتَّكْفِيلِ أَخْطَأَ فَلَا يَكُونُ ظُلْمًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ قَالَ وَهُوَ ظُلْمٌ وَمَيْلٌ فَالْوَصْفُ بِالْمِيلِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَالْإِطْلَاقُ وَلَوْ بِالْمَجَازِ دَلَّ أَنَّهُ يُخْطِئُ إذْ لَوْلَاهُ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ فَحَصَلَ الْكَشْفُ بِالْوَصْفِ الْوَاقِعِ مِنْ الْإِمَامِ بِالِاتِّصَافِ فِي الْوَاقِعِ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصْفَهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ ظُلْمٌ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي الْوَاقِعِ ظَالِمٌ بِمَعْنَى مُرْتَكِبٍ لِلْحَرَامِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ ظَالِمٌ أَيْ وَاضِعٌ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَالْمَقْصُودُ تَأْوِيلُ الْعِبَارَةِ بِحَيْثُ لَا تُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ بِأَخْذِهِ الْكَفِيلَ آثِمٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْأَجْرِ لَهُ فِي ذَلِكَ يُنَافِي الْإِثْمَ وَفِي الْأَصْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا كُنْت أَمْنَعُهُ حَقَّهُ بِشَيْءٍ أَخَافُ وَلَمْ يَسْتَبِنْ بَعْدُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ اهـ.

وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي حَقِّ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَعَ كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا مَا قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَعِبَارَتُهُ وَالْمُخْطِئُ فِي الِاجْتِهَادِ لَا يُعَاقَبُ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الضَّلَالِ بَلْ يَكُونُ مَعْذُورًا وَمَأْجُورًا إذَا لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا بَذْلُ الْوُسْعِ وَقَدْ فَعَلَ فَلَمْ يَنَلْ الْحَقَّ لِخَفَاءِ دَلِيلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ الْمُوصِلُ إلَى الصَّوَابِ بَيِّنًا فَأَخْطَأَ الْمُجْتَهِدُ لِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَتَرَكَ مُبَالَغَةً فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ يُعَاتَبُ وَمَا نُقِلَ مِنْ طَعْنِ السَّلَفِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ طَرِيقَ الصَّوَابِ بَيِّنٌ فِي زَعْمِ الطَّاعِنِ اهـ.

وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ مَا زَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُخَطِّئُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ حَتَّى عَزَلَهُ الْخَلِيفَةُ وَاعْلَمْ أَنَّنَا كَتَبْنَا فِي بَابِ النَّفَقَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفِيلِ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ لِقَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ دَفَعَهَا لَهَا فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى آخِرِهِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْكَفَالَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ هَلْ هِيَ بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ

(قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَخَذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى فَقَطْ) أَيْ أَخَذَ نَصِيبَ نَفْسِهِ وَتَرَكَ نَصِيبَ أَخِيهِ الْغَائِبِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا وَفَصَّلَ الشَّيْخَانِ بَيْنَ جُحُودِ ذِي الْيَدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ فِي يَدِ أَمِينٍ وَإِلَّا تُرِكَ فِي يَدِهِ لِخِيَانَتِهِ بِجُحُودِهِ فَلَا نَظَرَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ وَلَهُ أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعَرُّضُ بِلَا خَصْمٍ كَمَا إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لَا يَنْتَزِعُهُ مِنْهُ بِلَا خَصْمٍ وَقَدْ ارْتَفَعَ جُحُودُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْكُلِّ قَيَّدَ بِعَدَمِ أَخْذِ نَصِيبِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْكُلِّ إرْثًا بِخُصُومَةِ الْحَاضِرِ لِانْتِصَابِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ فَلِذَا تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَلَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَلَا الْقَضَاءُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ فِيهِ اخْتِلَافًا وَذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ وَكَذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ دَيْنًا وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَى عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لِيَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ نَفَذَ بِقَدْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَيْضًا وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ وَغَيْرُهُ سَهْوٌ وَفِي قَوْلِهِ أَخَذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى فَقَطْ إشَارَتَانِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ ذِي الْيَدِ كَفِيلٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ لَا لِإِنْشَائِهَا الثَّانِيَةُ أَنَّ الْحَاضِرَ يَأْخُذُ النِّصْفَ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ وَقَيَّدَ بِالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ وَقِيلَ هُوَ كَالْعَقَارِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ هَلْ هِيَ بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ) فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قَالَ شَيْخُنَا فِي الدُّرَرِ أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يُؤْخَذُ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُؤْخَذُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ ثُمَّ رَأَيْته لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ

[ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ]

(قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يَظْهَرُ بَعْدَ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ) حَيْثُ قَالَ إنَّمَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْوَارِثِ الْحَاضِرِ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ يَنْفُذُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْعَيْنِ لَا تَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُمْ إلَّا فِي قَدْرِ مَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَنْتَصِبُ فِيهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ مُطْلَقًا كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْوَارِثِ عَيْنُ تَرِكَةٍ أَمْ لَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ مُدَّعِي الْعَيْنِ أَبُو السُّعُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>