للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِي الَّذِي زُكِّيَ الشُّهُودُ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا قُتِلَ ابْنٌ آخَرُ لِي فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ الْقَتْلُ.

وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَصْرَانِيٍّ شَهِدَ عَلَيْهِ نَصْرَانِيَّانِ أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ هَذَا النَّصْرَانِيِّ عَمْدًا فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ وَدُفِعَ إلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْلَمَ، فَإِنِّي أَدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَأَجْعَلُ عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مُسْلِمٍ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ النَّصْرَانِيِّ عَمْدًا فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً عَلَى النَّصْرَانِيِّ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَ هَذَا الْمُسْلِمُ يَدَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْعِتْقِ وَلَا يُقْضَى لَهُ بِالْقِصَاصِ وَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ]

(بَابُ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ تَسَبُّبًا وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ وُقُوعًا فَكَانَ أَمَسَّ حَاجَةً إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا أَوْ دُكَّانًا فَلِكُلٍّ نَزْعُهُ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمُرُورِ الْخُصُومَةُ مُطَالَبَةً بِالنَّقْضِ كَالْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ وَكَالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ الْمُرُورَ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَتَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالْهَدْمِ بِمُطَالَبَتِهِمْ؛ لِأَنَّ مُخَاصَمَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ هَذَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ قُيِّدَ بِمَا ذُكِرَ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا إذَا بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ إنَّمَا يُنْقَضُ بِخُصُومَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى خُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَزُلْ مَا فِي قُدْرَتِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْكَنِيفُ الْمُسْتَرَاحُ وَالْمِيزَابُ وَالْجُرْصُنُ قِيلَ هُوَ الْبُرْجُ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ أَمْ لَا وَالثَّانِي فِي الْخُصُومَةِ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ وَرَفْعُهُ بَعْدَهُ وَالثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا تَلِفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْإِحْدَاثُ فَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ إحْدَاثُهُ فِيهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ فِي الطَّرِيقِ بِغَيْرِ أَنْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ جَائِزٍ فَكَذَا مَا هُوَ مِثْلُهُ فَيُلْحَقُ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، فَإِذَا أَضَرَّ بِالْمَارِّ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارِ فِي الْإِسْلَامِ» وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ إذَا طَالَبَهُ صَاحِبُهُ فَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ وَعَلَى هَذَا الْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ، وَإِنْ أَضَرَّ لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرًا وَلَمْ يَكُنْ إذَا وَضَعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ إلَى الْإِمَامِ الْعُرْضُ بِالضَّمِّ النَّاحِيَةُ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرُ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.

فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إذْنَ الشَّارِعِ أَحْرَى وِلَايَةً وَأَقْوَى كَالْمُرُورِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِمَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا وُضِعَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي النَّافِذِ إلَّا إذَا أَضَرَّ) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثِ الْجُرْصُنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْخِلَافَ الَّذِي فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِهِ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّافِذِ مِنْ الطَّرِيقِ لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ بِإِحْدَاثِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَهُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الشُّفْعَةَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ النَّافِذِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَقُّ الْعَامَّةِ فَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَيَبْقَى عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>