للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظِّهَارُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَزِمَاهُ جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِائَةَ مَرَّةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَجَازَتْهُ بَطَلَ) ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُيُوعِ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَنْ يُعْتِقَهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا نَكَحَهَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ تَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ وَنَفَذَ بِنَفَاذِهِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ الْإِجَازَةُ وَصَارَ مَرْدُودًا وَلِهَذَا فَسَّرَ كَوْنَ الْإِعْتَاقِ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ بِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا لَهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.

(قَوْلُهُ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ مِنْهُنَّ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الظِّهَارَ إلَيْهِنَّ فَكَانَ كَإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِنَّ (قَوْلُهُ وَكَفَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ: لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إذَا عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ وَإِنَّمَا قَالَ وَكَفَّرَ لِكُلٍّ وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ مَالِكًا وَأَحْمَدَ قَالَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْ الْكُلِّ وَلَكِنْ اكْتَفَيَا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ قُيِّدَ بِالظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْهُنَّ كَانَ مُولِيًا مِنْهُنَّ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي الْإِيلَاءِ تَجِبُ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْأَوَّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ كَمَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ)

مِنْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ الذَّنْبَ مَحَاهُ وَمِنْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إذَا فَعَلَ الْكَفَّارَةَ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْكَفَّارَةُ مَا كَفَرَ بِهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِهِمَا. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا مُنْبِئَةٌ عَنْ السَّتْرِ لُغَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكَفْرِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ قَالَ الشَّاعِرُ

فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا

أَيْ: سَتَرَهَا اهـ.

وَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي مَعْنَاهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَفِي سَبَبِهَا وَهُوَ قِسْمَانِ: سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا فَالْأَوَّلُ: مَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ وَهُوَ إسْلَامُهُ وَعَهْدُهُ مَعَ اللَّهِ أَنْ لَا يَعْصِيَهُ وَإِذَا عَصَاهُ تَابَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلتَّكْفِيرِ، وَالثَّانِي: قَالَ فِي التَّنْقِيحِ سَبَبُهَا مَا نُسِبَتْ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ دَائِرٍ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْحُكْمِ فَالْقَتْلُ خَطَأً مُبَاحٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ) أَيْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي صُورَةِ عَدَمِ نِيَّةِ التَّكْرَارِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ لَوْ كَرَّرَ الظِّهَارَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ إلَّا إنْ نَوَى بِمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ تَأْكِيدًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً فِيهِمَا لَا كَمَا قِيلَ فِي الْمَجْلِسِ لَا الْمَجَالِسِ وَأَصْرَحُ مِنْهَا عِبَارَةُ الشرنبلالية، وَلَوْ أَرَادَ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ لَا مَجَالِسَ كَمَا فِي السِّرَاجِ اهـ.

وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ إيقَاعٌ وَالثَّانِيَ إخْبَارٌ فَإِذَا نَوَى الْإِخْبَارَ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إذَا قَالَ: أَرَدْتُ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ اهـ.

فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا سَمِعْتَهُ مِنْ النُّقُولِ أَنَّ النِّزَاعَ فِيمَا إذَا نَوَى التَّكْرَارَ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ بِلَا نِزَاعٍ فَظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْإِيهَامِ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُلْتَقَى وَمَشَى فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ عَلَى مَا فِي الْيَنَابِيعِ فَقَالَ: فَإِنْ عَنَى التَّكْرَارَ بِمَجْلِسٍ صُدِّقَ وَإِلَّا لَأَزَادَ شَارِحُهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلْفَتْحِ خِلَافُهُ وَجَزَمَ الْمَقْدِسِيَّ بِمَا فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يُعَرِّجْ فِي النَّهْرِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ بَلْ أَطْلَقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ اشْتَبَهَ عَلَى شَارِحِ التَّنْوِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ مَا فِي الْيَنَابِيعِ تَأَمَّلْ

[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>