وَيَبْقَى الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا فَسْخٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْعٌ بَعْدَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفُسِخَ إلَّا إنْ تَعَذَّرَا فَتَبْطُلُ بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ فَسْخٌ إلَّا أَنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ تَقَايَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَبِيعَ إلَّا أَنْ تَعَذَّرَا بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَتَبْطُلُ، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ بِلَفْظِهَا إمَّا بِلَفْظِ الْفَسْخِ أَوْ الرَّدِّ أَوْ التَّرْكِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ بَيْعًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فَسْخًا، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَانَتْ بَيْعًا إجْمَاعًا كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لَهُ بِعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ فَقَالَ بِعْتُ كَانَ بَيْعًا، وَفَائِدَةُ كَوْنِهَا فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا عِنْدَهُ تَظْهَرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ الْأُولَى وُجُوبُ رَدِّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَتَسْمِيَةُ خِلَافِهِ بَاطِلٌ الثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَأَنْ بَاعَ ثَوْرًا مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ رَخِيصًا فَقَالَ زَيْدٌ إنْ وَجَدْتَ مُشْتَرِيًا بِالزِّيَادَةِ فَبِعْهُ مِنْهُ فَوَجَدَ فَبَاعَ بِأَزْيَدَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ لَا الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الثَّالِثَةُ إذَا تَقَايَلَا، وَلَمْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَفَسَدَ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ الْخِلَافُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَلَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ لِكَوْنِهِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَإِذَا تَبَايَعَاهُ بَعْدَهَا يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ بَعْدَهَا فِي يَدِهِ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ كَقَبْضِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ قَبْضِ الْغَصْبِ كَذَا فِي الْكَافِي هُنَا، وَفِيهِ مِنْ بَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ تَقَايَضَا فَتَقَايَلَا فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَا أَقَالَ صَارَ قَابِضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِقِيَامِهَا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مَضْمُونًا بِقِيمَةِ نَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فَتَقَايَلَا ثُمَّ جَدَّدَ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِقِيمَةِ الْعَرْضِ الْآخَرِ فَشَابَهُ الْمَرْهُونَ. اهـ.
وَالرَّابِعَةُ: إذَا وَهَبَ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَتْ الْهِبَةُ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَانْفَسَخَ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهِبَةِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَقَدْ بَاعَهُ مِنْهُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ ثُمَّ تَقَايَلَا، وَاسْتَرَدَّ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيدَ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ جَازَ قَبْضُهُ، وَهَذَا لَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهَا بَيْعًا عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا صَحَّ قَبْضُهُ بِلَا كَيْلٍ وَوَزْنٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي خَمْسٍ أَيْضًا الْأُولَى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَقَايَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ لِكَوْنِهِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَالثَّانِيَةُ إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ
ــ
[منحة الخالق]
عَلَى الْعَاقِدِ فَصَارَ الشِّرَاءُ لَهَا، وَإِنْ أَجَازَ الِابْنُ لِعَدَمِ التَّوَقُّفِ فَإِذَا بَاعَتْ ثَانِيًا فَقَدْ بَاعَتْ مِلْكَهَا فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الِابْنِ
[إقَالَةُ الْإِقَالَةِ]
(قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ أَطْلَقَ قَوْلَهُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى، وَالْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ، وَفِي الْعَقَارِ تَكُونُ بَيْعًا عِنْدَهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعٌ بَعْدَ الْقَبْضِ فَسْخٌ قَبْلَهُ إلَّا فِي الْعَقَارِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ، وَرُوِيَ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَبَايَعَاهُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ جَازَ أَيْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ رَدِّهِ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ، وَهَذَا فِيمَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ مَبِيعًا كَمَا يُفِيدُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْكَافِي أَيْضًا (قَوْلُهُ تَقَايَضَا) مِنْ الْمُقَايَضَةِ فَهُوَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ لَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقَوْلُهُ لِقِيَامِهِمَا أَيْ قِيَامِ كُلٍّ مِنْ عِوَضَيْ الْمُقَايَضَةِ (قَوْلُهُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ) قَالَ فِي النَّهْرِ زَادَ فِي النِّهَايَةِ سَادِسَةً، وَهِيَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ قَبْضَ بَدَلَيْ الصَّرْفِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الشَّرْعِ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ، وَسُئِلْتُ عَنْ الْإِقَالَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ كَالْبَيْعِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَهُوَ هُنَا الْمُرْتَهِنُ، وَهِيَ سَابِعَةٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَجَّرَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا فَهِيَ ثَامِنَةٌ اهـ.
فَالْإِقَالَةُ بَعْدَ الرَّهْنِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ، وَبَعْدَ الْإِجَازَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ أَجَازَ نَفَذَتْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَيُزَادُ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ ابْنِ فِرِشْتَا، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً، وَقَبَضَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ نَزَلَ هَذَا التَّقَايُلُ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ فِي حَقِّ ثَالِثٍ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَطْؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ. اهـ.
لِأَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَاَللَّهُ تَعَالَى ثَالِثُهُمَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ الْأُولَى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا قَالَ فَسَلَّمَ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا، وَإِلَّا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْ بِأَنْ أَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute