الْعُنُقِ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالسُّنَّةُ فِي النَّحْرِ أَنْ يَنْحَرَ قَائِمًا، وَفِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ أَنْ تُذْبَحَ مُضْطَجِعَةً اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا وَلَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَأَعْلَاهُ لِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ هُوَ الْحَلْقُ وَلِأَنَّ كُلَّهُ مُجْتَمَعُ الْعُرُوقِ فَصَارَ حُكْمُ الْكُلِّ وَاحِدًا فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْيِيدِ قُلْنَا: لَا لِأَنَّ النَّحْرَ فِي أَسْفَلِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَمْ يُذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) يَعْنِي لَا يَصِيرُ الْجَنِينُ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ أُخْرَى إذَا تَمَّ خَلْقُهُ حَلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّا نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الشَّاةَ، وَفِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ قَالَ: كُلْهُ إنْ شِئْتَ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأُمِّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَلِلْإِمَامِ قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَهُوَ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَالْجَنِينُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَحْرُمُ بِالْكِتَابِ وَيُكْرَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ إذَا تَقَارَبَ وِلَادَتُهَا لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ مَا فِي بَطْنِهَا. الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ فَرَمَاهَا وَأَصَابَهَا
يُنْظَرُ إنْ كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِهِ حَلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَهْتَدِي ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ حَلَّ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ وَعَنْ غَيْرِهِ يَحِلُّ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَلَا يَحِلُّ مِنْ الذَّبَائِحِ]
(فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَلَا يَحِلُّ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الذَّبَائِحِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ، إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِ الذَّبَائِحِ التَّوَصُّلُ إلَى الْأَكْلِ وَقَدَّمَ الذَّبْحَ لِأَنَّهُ وَسِيلَةُ الشَّيْءِ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُؤْكَلُ ذُو نَابٍ وَلَا مِخْلَبٍ مِنْ سَبُعٍ وَطَيْرٍ) يَعْنِي لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ مِنْ سَبُعٍ وَطَيْرٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْجَمَاعَةُ وَالسِّبَاعُ جَمْعُ سَبُعٍ وَهُوَ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادَةً وَالْمُرَادُ بِذِي الْمِخْلَبِ مَا لَهُ مِخْلَبٌ هُوَ سِلَاحٌ وَهُوَ مَفْعَلُ مِنْ الْخَلْبِ وَهُوَ مَزْقُ الْجِلْدِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِي مِخْلَبٍ هُوَ سِبَاعُ الطَّيْرِ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَهُ مِخْلَبٌ وَهُوَ الظُّفُرُ كَمَا أُرِيدَ بِهِ فِي ذِي نَابٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ لَا كُلُّ مَا لَهُ نَابٌ وَلِأَنَّ طَبِيعَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَيُخْشَى أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ مِنْ طِبَاعِهَا فَيَحْرُمُ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُرْضِعُ لَكُمْ الْحَمْقَاءُ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُغَذِّي وَيَدْخُلُ» فِي الْحَدِيثِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ لِأَنَّ لَهُمَا نَابًا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَاحَ أَكْلَهَا مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِيلُ أَيْضًا لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَالْيَرْبُوعُ وَابْن عِرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ وَالرَّخَمَةُ وَالْبُغَاثُ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ وَالرَّخَمُ جَمْعُ رَخَمَةٍ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْقَعُ يُشْبِهُ النَّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ يُقَالُ لَهُ الْأَنُوفُ وَالْبُغَاثُ مَائِلٌ إلَى الْغُبْرَةِ دُونَ الرَّخَمِ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ قَالَ: وَالسِّبَاعُ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ وَالثَّعْلَبُ وَالضَّبُعُ وَالْكَلْبُ وَالْفِيلُ وَالْقِرْدُ وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عِرْسٍ وَالنُّسُورُ الْأَهْلِيُّ وَالْبَرِّيُّ وَمِنْ الطَّيْرِ الصَّقْرُ وَالْبَازُ وَالْعُقَابُ وَالنَّسْرُ وَالشَّاهِينُ اهـ.
[أَكْلُ غُرَابُ الزَّرْعِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ غُرَابُ الزَّرْعِ) لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا مِنْ الْخَبَائِثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا الْأَبْقَعُ - الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ - وَالضَّبُعُ وَالضَّبُّ وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْبَغْلُ) يَعْنِي: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُؤْكَلُ أَمَّا الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ فَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَصَارَ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَالْغُرَابُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَحَسْبُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، وَنَوْعٌ يَأْكُلُ الْحَبَّ فَحَسْبُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَنَوْعٌ يَخْلِطُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيْضًا يُؤْكَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْعَقْعَقُ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ غَالِبُ أَكْلِهِ الْجِيَفُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْخُفَّاشَ يُؤْكَلُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ لَهُ نَابًا، وَأَمَّا الضَّبُعُ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَيَكُونُ لَحْمُهُ خَبِيثًا، وَأَمَّا الضَّبُّ وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ فَلِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَمَا رُوِيَ مِنْ الْإِبَاحَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، ثُمَّ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ عَلَى مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] إلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ حَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ، وَأَمَّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ فَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» ، وَأَمَّا الْبَغْلُ فَلِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَكَانَ كَأَصْلِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُمُّهُ فَرَسًا فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute