وَعَلَى لِلْإِلْزَامِ وَلِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِيمَانِ يَرْفَعُهُ «إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا: وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَامْتَنَعْتُ فَلِي النَّارُ» وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَكِيمَ إذَا حَكَى عَنْ غَيْرِ الْحَكِيمِ كَلَامًا، وَلَمْ يُعْقِبْهُ بِالْإِنْكَارِ كَانَ دَلِيلَ صِحَّتِهِ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ مِنْ أَنَّ آيَ السَّجْدَةِ تُفِيدُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ فِيهِ الْأَمْرُ الصَّرِيحُ بِهِ وَقِسْمٌ تَضَمَّنَ حِكَايَةَ اسْتِنْكَافِ الْكَفَرَةِ حَيْثُ أُمِرُوا بِهِ وَقِسْمٌ فِيهِ حِكَايَةُ فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ السُّجُودَ، وَكُلٌّ مِنْ الِامْتِثَالِ وَالِاقْتِدَاءِ وَمُخَالَفَةِ الْكَفَرَةِ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ فِي مُعَيَّنٍ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ لَكِنْ دَلَالَتُهَا فِيهِ ظَنِّيَّةٌ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبُ لَا الْفَرْضُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ مُقَيَّدٌ بِالتِّلَاوَةِ لَا مُطْلَقًا فَلَزِمَ كَذَلِكَ ثُمَّ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَاتِيَّةً؛ لِأَنَّ دَلَائِلَ الْوُجُوبِ مُطْلَقَةٌ عَنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ فَيَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ غَيْرِ عَيْنٍ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بِتَعْيِينِهِ فِعْلًا، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ وَأَمَّا الْمَتْلُوَّةُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّضْيِيقِ لِقِيَامِ دَلِيلِ التَّضْيِيقِ، وَهُوَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِمَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَالْتَحَقَتْ بِأَقْوَالِهَا وَصَارَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ، وَلَمْ يَسْجُدْ، وَلَمْ يَرْكَعْ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ رَكَعَ وَنَوَى السَّجْدَةَ لَمْ تَجُزْ، وَكَذَا إذَا نَوَاهَا فِي السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا، وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لَا بِمَا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَّا أَدَاءً أَوْ قَضَاءً فَهُوَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ السَّجْدَةِ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا فَلَا؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا أَهْلِيَّةُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى كَافِرٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ قَرَءُوا أَوْ سَمِعُوا، وَتَجِبُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ، وَكَذَا تَجِبُ عَلَى السَّامِعِ بِتِلَاوَةِ هَؤُلَاءِ إلَّا الْمَجْنُونِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِانْعِدَامِ التَّمْيِيزِ كَالسَّمَاعِ مِنْ الصَّدَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالصَّدَى مَا يُعَارِضُ الصَّوْتَ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَضَرِ الْإِيصَاءُ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَقِيلَ يَجِبُ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي السَّجَدَاتِ اهـ. .
وَفِي التَّجْنِيسِ وَهَلْ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَهَا فِي الصَّلَاةِ فَتَأْخِيرُهَا مَكْرُوهٌ، وَإِنْ قَرَأَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ تَأْخِيرَهَا مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَهِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاتِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحْرِيمِيَّةً لَكَانَ وُجُوبُهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ مِنْهَا: أُولَى " الْحَجِّ " وَ " ص ") ذَكَرَهُمَا لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا فَقَدْ نَفَى الشَّافِعِيُّ السُّجُودَ فِي " ص "، وَلَمْ يَخُصَّ الْأُولَى مِنْ " الْحَجِّ " بَلْ قَالَ إنَّ الثَّانِيَةَ مِنْهَا أَيْضًا فَهِيَ عِنْدَهُ أَيْضًا أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً وَنَفَى مَالِكٌ السُّجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ وَبَيَانُ الْحُجَجِ مَعْلُومٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَلَنَا إلَّا بِصَدَدِ تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ غَالِبًا، وَفِي التَّجْنِيسِ التَّالِي وَالسَّامِعُ يَنْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى اعْتِقَادِ نَفْسِهِ كَالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ لَيْسَ بِمَوْضِعِ السَّجْدَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مَوْضِعُ السَّجْدَةِ
ــ
[منحة الخالق]
النِّهَايَةِ قَالَ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ فِي سَائِرِ النُّسَخِ مِنْ الْمَبْسُوطَيْنِ وَالْأَسْرَارِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّحَابَةِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَأَقُولُ: لَمْ يَكُنْ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَمْ يُطَالِعْ الْكُتُبَ الْمَذْكُورَةَ فَلَوْلَا أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَوْنُهُ حَدِيثًا لَمَا نَقَلَهُ حَدِيثًا فَإِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَعْظَمُ دِيَانَةً مِمَّنْ يُتَوَهَّمُ بِهِ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَمَنْ سَجَدَ كَانَ أَدَاءً لَا قَضَاءً وَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْفَوْرِ اهـ.
وَنُقِلَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْعِنَايَةِ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ، وَفِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا بَعْدَ صَلَاةٍ كَانَ مُؤَدِّيًا اتِّفَاقًا لَا قَاضِيًا اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ لِمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ وَلِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ لَوْ أُخِّرَتْ عَنْ مَحَلِّهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ تَكُونُ قَضَاءً فَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَهَا كَذَلِكَ إذْ لَا فَارِقَ نَعَمْ مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ لَهُ نَظَائِرُ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَتْلُوَّةُ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ الصَّلَاتِيَّةُ مُوَسَّعًا بِالنِّسْبَةِ لِمَحَلِّهَا كَمَا لَوْ تَلَا فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَسَجَدَهَا فِي آخِرِهَا اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَلْ تَصِيرُ قَضَاءً وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا وَسَيُصَرِّحُ بِهِ عَنْ الْبَدَائِعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَلَمْ تُقْضَ الصَّلَاتِيَّةُ خَارِجَهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَوْ تَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ السَّهْوِ، وَهَذَا عَيْنُ التَّضْيِيقِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُوَسَّعًا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ التَّضْيِيقِ فِي الصَّلَاتِيَّةِ وَالتَّضْيِيقِ فِي غَيْرِهَا عِنْدَ آخِرِ الْعُمُرِ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى يُمْكِنُ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ مَا دَامَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِيهِ نَوْعُ تَوْسِعَةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي وَلَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُسَوِّغُ إطْلَاقَ أَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا مُوَسَّعٌ فَتَدَبَّرْ.
[مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]
(قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ.
[تَأْخِيرُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ]
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحْرِيمِيَّةً) فِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ لِمَا عَلِمْت