للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِنْشَاءِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ عَنْ الدَّعْوَى بِهَا فَإِنْ كَانَ عَنْ الْعَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَهُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ وَصْفِ الضَّمَانِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا إنَّ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ بَرِئْت مِنْهُ كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِهِ اهـ.

وَإِنْ كَانَ عَنْ الدَّعْوَى فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ دَعْوَى هَذِهِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ وَتُسْمَعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَارًا أَوْ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأْتُك عَنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ فِي دَعْوَايَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ تُسْمَعُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَرِئْت لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ خَرَجْت فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَهُ لِأَنَّ أَبْرَأْتُك عَنْ خُصُومَتِي فِي هَذِهِ الدَّارِ خَاطَبَ الْوَاحِدَ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَرِئْت لِأَنَّهُ أَضَافَ الْبَرَاءَةَ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ هُوَ بَرِيئًا. اهـ.

وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ فَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَلِلزَّوْجِ أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ لَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ مِنْهَا وَلَهُ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الدُّيُونِ لَا الْأَعْيَانِ اهـ.

وَإِنْ كَانَ الْإِبْرَاءُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا لِي قِبَلَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ مُتَنَاوِلٌ لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَكَذَا إذَا قَالَ لَا مِلْكَ لِي فِي هَذِهِ الْعَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا وَلَا اسْتِحْقَاقًا

ــ

[منحة الخالق]

[فَصْلٌ فِي صُلْحِ الْوَرَثَةِ]

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) وَفِي الْخَانِيَّةِ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إبْرَاءٌ عَنْ ضَمَانِهَا وَتَصِيرُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِ قِيمَتِهَا اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إبْرَائِهِ عَنْ الْمَغْصُوبِ لَا يَكُونُ إبْرَاءً عَنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ وَإِنَّمَا هُوَ إبْرَاءٌ عَنْ ضَمَانِ الرَّدِّ لَا عَنْ ضَمَانِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ حَالَ قِيَامِهِ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لَا قِيمَتُهُ فَكَانَ إبْرَاءً عَمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ اهـ.

يَعْنِي: لَيْسَ بِوَاجِبٍ الْآنَ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ حَتَّى إذَا مَنَعَهَا بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا بَعْدَ الْإِبْرَاءِ ضَمِنَ وَفِي الْأَشْبَاهِ قَوْلُهُمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ لَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِلَّا فَالْإِبْرَاءُ عَنْهَا لِسُقُوطِ الضَّمَانِ صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ تُسْمَعُ) أَيْ لَوْ ادَّعَاهَا عَلَى غَيْرِ الْمُخَاطَبِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ الْآتِي.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ عَلَى طَرِيقِ الْخُصُوصِ أَيْ عَنْ دَعْوَى عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ فَإِنْ أَضَافَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْعَيْنِ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهَا عَلَيْهِ وَتُسْمَعُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى أَحَدٍ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ) عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ يَعْنِي إنْشَاءَ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ إنْ كَانَتْ بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ لَا تَصِحُّ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُك عَنْ كُلِّ دَعْوَى فَهَذَا شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَغَيْرِهَا فَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأهُ عَنْ دَعْوَى عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَدَّعِي بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ حَيْثُ صَحَّ إبْرَاءُ الْمُخَاطَبِ عَنْ دَعْوَى الْعَيْنِ الْمَخْصُوصَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ أَيْضًا إبْرَاؤُهُ عَنْهَا فِي صِيغَةِ التَّعْمِيمِ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَلْ قَدْ يَدَّعِي الْأَوْلَوِيَّةَ فِي التَّعْمِيمِ كَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأَعْيَانِ نَفْسِهَا وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَبْرَأهُ بَعْدَ الصُّلْحِ عَنْ جَمِيعِ دَعَاوِيهِ وَخُصُومَاتِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ. اهـ.

وَنَحْوُهُ فِي حَاوِي الْحَصِيرِيِّ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى مُدَّعَاهُ فَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ فِي الْمُدَايَنَاتِ هَكَذَا افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَكَانَ لِلزَّوْجِ بَذْرٌ فِي أَرْضِهَا وَأَعْيَانٌ قَائِمَةٌ فَالْحَصَادُ وَالْأَعْيَانُ الْقَائِمَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى اهـ.

وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ مُقِرَّةٌ بِالْحَصَادِ وَالْأَعْيَانِ بِأَنَّهَا لِلزَّوْجِ فَلِهَذَا قَالَ لَا تَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلزَّوْجَةِ وَتُؤْمَرُ بِدَفْعِهَا لِلزَّوْجِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَبْرَأَ الْمُسْتَأْجِرُ الْآجِرَ عَنْ كُلِّ الدَّعَاوَى ثُمَّ أَدْرَكَ الزَّرْعَ فَجَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مَا رَفَعَ الْآجِرُ الْغَلَّةَ وَادَّعَى الْغَلَّةَ قِيلَ تُسْمَعُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ وَلَوْ رَفَعَ الْآجِرُ الْغَلَّةَ أَوَّلًا ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ الدَّعَاوَى لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَهَذَا إذَا جَحَدَ الْآجِرُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ مُقِرًّا أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ اهـ.

فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُنْكِرَةً فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَشْبَهِ وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً فَلَا إشْكَالَ وَيُؤَيِّدُ أَنَّهَا مُقِرَّةٌ بِذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَانَ لِلزَّوْجِ بَذْرٌ وَأَعْيَانٌ إلَخْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُسَلِّمَةٌ لِذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ وَادَّعَى الزَّوْجُ بَذْرًا وَأَعْيَانًا إلَخْ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِبْرَاءِ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ الْمُتَنَاوِلِ لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ عَنْ الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَمَاتَ فَدَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْوَارِثِ مِيرَاثَهُ وَكُلَّ شَيْءٍ كَانَ لَهُ فِي يَدَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ وَأَشْهَدَ الِابْنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ جَمِيعَ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ دَارًا فِي يَدِ هَذَا الْوَصِيِّ وَقَالَ هَذِهِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِي تَرَكَهَا مِيرَاثًا وَلَمْ أَقْبِضْهَا قَالَ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ وَأَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ وَأَقْضِي بِهَا لَهُ. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي فَصْلِ الدَّعْوَى مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى وَالْخَانِيَّةِ وَالْعَتَّابِيَّةِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْفَرْعَ الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَبْقَ لِي شَيْءٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>