وَقَطَعَ يَدَيْ آخَرَ وَرِجْلَيْ آخَرَ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَدَاءً لِحَقِّهِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَتَأَتَّى لِكُلِّ قِصَاصٍ بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا الرَّجُلُ مُمَثَّلًا بِهِ أَيْ مُثْلَةً ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ النَّهْيِ، وَالنَّسْخِ فِيمَنْ مَثَّلَ بِشَخْصٍ حَتَّى قَتَلَهُ فَمُقْتَضَى النَّسْخِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بَعْدَ الظَّفَرِ، وَالنَّصْرِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالٌ كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ وَأَنْفَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الرُّءُوسِ إذَا كَانَ فِيهِ غَيْظٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَوْ إفْرَاغُ قَلْبٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِنْ قُوَّادِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ عُظَمَاءِ الْمُبَارِزِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَمَلَ رَأْسَ أَبِي جَهْلٍ لَعَنْهُ اللَّهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ هَذَا رَأْسُ عَدُوِّك أَبِي جَهْلٍ لَعَنْهُ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا فِرْعَوْنِي وَفِرْعَوْنُ أُمَّتِي كَانَ شَرُّهُ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي أَعْظَمَ مِنْ شَرِّ فِرْعَوْنَ عَلَى مُوسَى وَأُمَّتِهِ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ اهـ.
[وَقَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ فِي الْجِهَاد]
(قَوْلُهُ: وَقَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ ذَا رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا) أَيْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقَتْلِ عِنْدَنَا هُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ، وَالْمَقْطُوعُ الْيَمِينِ، وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَالرَّاهِبُ الَّذِي لَمْ يُقَاتِلْ وَأَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ، وَالنِّسَاءِ» «وَحِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مَقْتُولَةً قَالَ هَاهْ مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فَلِمَ قُتِلَتْ» ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ كَانَ مَلِكًا فَقَدْ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى الْعِبَادِ وَلَا يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَلِأَنَّ الْقِتَالَ مُبِيحٌ حَقِيقَةً وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ شَامِلٌ لِلصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ غَيْرَ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِقَابِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ نَحْوَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ السَّبْيُ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالَةِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا يُقْتَلُ الْمَعْتُوهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقْتَلُ، مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ نَقْتُلُهُ وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدُّوا الَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرَّفَ وَزَالَ عَقْلُهُ وَخَرَجَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ، وَالْمُمَيِّزِينَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ قَالَ: وَأَمَّا الزَّمْنَى فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوخِ فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا عُقَلَاءَ وَنَقْتُلُهُمْ أَيْضًا إذَا ارْتَدُّوا اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَنَقْتُلُ الْأَخْرَسَ، وَالْأَصَمَّ، وَالْمَقْطُوعَ الْيُسْرَى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا نَقْتُلُ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ وَلَا بَأْسَ بِنَبْشِ قُبُورِهِمْ طَلَبًا لِلْمَالِ، وَإِذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى حَمْلِ مَنْ لَا يَقْتُلُ وَإِخْرَاجِهِمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَعْتُوهًا وَلَا أَعْمَى وَلَا مُقْعَدًا وَلَا مَقْطُوعَ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُولَدُ لَهُمْ فَفِي تَرْكِهِمْ عَوْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُلَقِّحُ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَكَذَلِكَ الرُّهْبَانُ وَأَصْحَابُ الصَّوَامِعِ إذَا مَا كَانُوا مِمَّنْ لَا
ــ
[منحة الخالق]
أَنَّ أَقَلَّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ هُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لَمْ نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَتَبِعَهُ أَخُوهُ.
(قَوْلُهُ وَالْمَقْطُوعُ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ) نَظَرَ فِيهِ فِي الشرنبلالية بِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الشَّيْخِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِحْبَالِ أَوْ الصِّيَاحِ. اهـ.
وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ مَا يُحْذَرُ مِنْهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ إلَى دَارِنَا لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يُقْتَلُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمْ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُمْ يُتْرَكُونَ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمْ وَقَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ الْآتِي قَرِيبًا فِي النَّهْرِ عَمَّا قَتَلَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَأَرَادَ بِهِمْ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ نُقِلَ عَنْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ وَهَذَا كَمَا تَرَى يُغَايِرُ الْأَوَّلَ. اهـ.
كَلَامُ النَّهْرِ الْأَوَّلُ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الشرنبلالية لَكِنْ أَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَمَّا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقُدْرَةُ مَعَ الْفِعْلِ بِأَنْ وُجِدَ مِنْ الصَّبِيِّ الْقِتَالُ أَوْ الصِّيَاحُ فَلَا يُنَافِيهِ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ إذْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ. اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ أَوْ يُحَرِّضَانِ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمَا وَبَعْدَمَا صَارَا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتُلُوهُمَا، وَإِنْ قَتَلُوا غَيْرَ وَاحِدٍ. اهـ. فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: قَالَ هَاهْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ هَاهْ كَلِمَةُ زَجْرٍ وَالْهَاءُ الثَّانِيَةُ لِلسَّكْتِ