(لَكِنْ هُنَا يُؤَخِّرُ الْأَكْلَ) لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ فَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْأَكْلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَنْ لَا يُضَحِّي وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ فِي حَقِّهِ وَشَمَلَ مَنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ، وَمِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ وَقَيَّدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ أَمَّا الْقَرَوِيُّ فَإِنَّهُ يَذُوقُ مِنْ حِينِ أَصْبَحَ، وَلَا يُمْسِكُ كَمَا فِي عِيدِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْأَضَاحِيَ تُذْبَحُ فِي الْقُرَى مِنْ الصَّبَاحِ.
(قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا) لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْمُصَلَّى، وَفِي الْمُحِيطِ وَيُكَبِّرُ فِي حَالِ خُرُوجِهِ إلَى الْمُصَلَّى جَهْرًا فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى يَتْرُكُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقْطَعُهَا مَا لَمْ يَفْتَتِحْ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ عَقِبَ الصَّلَاةِ جَهْرًا وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ إظْهَارًا لِلشَّعَائِرِ اهـ.
وَجَزَمَ فِي الْبَدَائِعِ بِالْأُولَى وَعَمَلُ النَّاسِ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ.
[خُطْبَة الْعِيد]
(قَوْلُهُ وَيُعَلِّمُ الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ فِي الْخُطْبَةِ) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَعْلِيمِ أَحْكَامِ الْوَقْتِ هَكَذَا ذَكَرُوا مَعَ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيمِهِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِيَتَعَلَّمُوهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ ابْتِدَاؤُهُ فَيَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَهُ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَ عِيدِ الْأَضْحَى كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ لِيَتَعَلَّمُوهَا وَيُخْرِجُوهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالْعِلْمُ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِ الْعُلَمَاءِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَطِيبَ إذَا رَأَى بِهِمْ حَاجَةً إلَى مَعْرِفَةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَأَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ إيَّاهَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا مِنْ كَثْرَةِ الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الْعِلْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَجُوزُ مَا دَامَ وَقْتُهَا بَاقِيًا، وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى قَيَّدَ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ عِيدِ الْفِطْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَا يُصَلَّى بَعْدَهُ فَالتَّقْيِيدُ بِالْعُذْرِ هُنَا لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ، وَفِي عِيدِ الْفِطْرِ لِلصِّحَّةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَ كَذَا فِي صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ غَرَائِبِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا وُقُوفُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِهَا وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَطْلُوبُ الِاجْتِنَابِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَفِي النِّهَايَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي حُكْمِ الْوُقُوفِ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ دَمُ السَّمَكِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي حُكْمِ الدِّمَاءِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا نَفَى عَنْهُ اسْمَ الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَعْرِيفُهُمْ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً مَخْصُوصَةً بِمَكَانٍ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَالطَّوَافِ وَغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ حَوْلَ سَائِرِ الْبُيُوتِ تَشَبُّهًا بِالطَّوَافِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْأَكْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ تَحْرِيمًا اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِ التَّبْيِينِ بَعْدُ: وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ يُعْطِي نَفْيَ التَّنْزِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِمَا قَالَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا فِي عِيدِ الْأَضْحَى، فَإِنْ شَاءَ ذَاقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَذُقْ وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَذُوقَ شَيْئًا إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ تَنَاوُلُهُ مِنْ الْقَرَابِينِ اهـ.
فَإِنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ يُفِيدُ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ أَصْلًا وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ.
[الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيد]
(قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدَّمْنَا مَا يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَمَا قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ فِي خُطْبَةِ صَلَاةِ الْفِطْرِ يُمْكِنُ أَنْ تَظْهَرَ فِي حَقِّ مَنْ أَتَى بِهَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ أَوْ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ مِنْ الْعَامِ إلَى الْعَامِ يَنْسَى الْعَالِمُ فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ وَظُهُورُ الثَّمَرَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا فَقَطْ بَعِيدٌ إذْ الْمَقْصُودُ تَذْكِيرُ الْأَحْكَامِ لِلْعَوَامِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ خُصُوصًا مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الشُّمُنِّيِّ أَنَّهُ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَخْطُبُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ يَأْمُرُ بِإِخْرَاجِهَا» .
(قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْعُذْرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الَّذِي فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى مَا قَدَّمْنَاهُ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْفِطْرِ لَوْ أَخَّرَهَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُصَلِّهَا بِخِلَافِ عِيدِ الْأَضْحَى قَالَ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ سَهْوٌ. اهـ.
قُلْتُ: الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْمُجْتَبَى عَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَلَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ بِدُونِ مُرَاجَعَةٍ لَهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى نَقْلِهِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا فَعَلَهُ الرَّمْلِيُّ حَيْثُ نَقَلَ صَدْرَ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى وَحَكَمَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِالسَّهْوِ وَمَعَ أَنَّ قَوْلَ الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ إلَخْ مَذْكُورٌ عَقِيبَ مَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ بِلَا فَاصِلٍ وَلَعَلَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.