(بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ) .
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دَعْوَى الْوَاحِدِ ذَكَرَ دَعْوَى مَا زَادَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ وَاحِدٍ آخَرَ قُضِيَ لَهُمَا) لِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاقَةٍ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَحَدِيثُ الْقُرْعَةِ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْوُجُوهَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ أَحَدُهُمَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَالْآخَرُ الْيَدَ فَصَحَّتْ الشَّهَادَتَانِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّنْصِيفِ إذْ الْمَحَلُّ يَقْبَلُهُ وَإِنَّمَا يُنَصَّفُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَرْهَنَا عَائِدٌ عَلَى الرَّجُلَيْنِ أَيْ الْخَارِجَيْنِ بِقَرِينَةٍ عَلَى مَا فِي يَدَ آخَرَ وَالْمَعْنَى عَلَى مِلْكِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَالْكَلَامُ فِي دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَخَرَجَ مَا إذَا ادَّعَيَا مِلْكًا بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُقَيَّدٍ بِتَارِيخٍ وَسَيَأْتِي وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى عَبْدٍ فِي يَدِ رَجُلٍ أَحَدُهُمَا بِغَصْبٍ وَالْآخَرُ بِوَدِيعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَأَطْلَقَهُمَا فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَيَا الْوَقْفَ فِي يَدِ ثَالِثٍ فَيُقْضَى بِالْعَقَارِ نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَقْفٍ النِّصْفُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَأَقَامَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَقْفُ الْمَسْجِدِ فَإِنْ أَرَّخَا فَهِيَ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اهـ.
وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ فِيهَا أَوْ الْوَقْفَ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الْوَقْفِ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى وَقَفِيَّةَ مَا فِي يَدِ آخَرَ وَبَرْهَنَ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ مُودَعٌ فُلَانٍ وَنَحْوِهِ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْإِسْعَافِ فَدَعْوَى الْوَقْفِ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ وَكَمَا يُقْسَمُ الدَّارُ بَيْنَ الْوَاقِفَيْنِ كَذَلِكَ لَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ لَهُ الْغَلَّةَ وَلَا مُرَجِّحَ فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الصَّحِيحِ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى إقْرَارِ رَجُلٍ بِأَنَّ أَرْضَهُ وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ وَنَسْلِهِ وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى عَمْرٍو وَنَسْلِهِ تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْأَسْبَقِ وَقْتًا إنْ عُلِمَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوْ ذَكَرُوا وَقْتًا وَاحِدًا تَكُونُ الْغَلَّةُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ إنْصَافًا وَمَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِ زَيْدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ حُكْمُ أَوْلَادِ عَمْرٍو وَإِذَا انْقَرَضَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ رَجَعَتْ إلَى الْفَرِيقِ الْبَاقِي لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ اهـ.
وَقَيَّدَ بِالْبُرْهَانِ مِنْهُمَا إذْ لَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ فَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ الْآخَرُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ صَارَ ذَا يَدٍ بِالْقَضَاءِ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ الْآخَرِ عَلَيْهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ النِّكَاحَ وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنَا حَلَفَ صَاحِبُ الْيَدِ فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا تُتْرَكُ فِي يَدِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا قَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى بِهَا وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا جَمِيعًا يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ بَعْدَهُ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُسْتَحِقَّيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهِ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِنْ أَهَمِّ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ مَعْرِفَةُ الْخَارِجِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ فِي يَدِهِ فَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ وَيَكُونُ الْآخَرُ خَارِجًا وَلَوْلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا لَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْيَدِ وَحُكِمَ بِيَدِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْمِلْكِ لَا تُقْبَلُ إذْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ لَا تُقْبَلُ أَخَذَ عَيْنًا مِنْ يَدِ آخَرَ وَقَالَ إنِّي أَخَذْته مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِلْكِي وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ذَا يَدٍ بِحُكْمِ الْحَالِ لَكِنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ ذَا الْيَدِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْخَارِجُ وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لَهُ وَغَصَبَهَا مِنْهُ فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى غَصْبِهِ وَإِحْدَاثِ يَدِهِ يَكُونُ هُوَ ذَا يَدٍ وَالزَّارِعُ خَارِجًا وَلَوْ لَمْ يُثْبِتْ إحْدَاثَ يَدِهِ فَالزَّارِعُ ذُو يَدٍ وَالْمُدَّعِي هُوَ الْخَارِجُ بِيَدِهِ عَقَارٌ أَحْدَثَ الْآخَرُ عَلَيْهِ يَدَهُ لَا يَصِيرُ بِهِ ذَا يَدٍ فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ إنَّك أَحْدَثْت الْيَدَ وَكَانَ بِيَدِي فَأَنْكَرَ يَحْلِفُ اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْيَدَ الظَّاهِرَةَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا ادَّعَيَا عَيْنًا وَبَرْهَنَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَا مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ إرْثًا أَوْ شِرَاءً وَكُلُّ قِسْمٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ
ــ
[منحة الخالق]
[بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ]
(قَوْلُهُ وَالْآخَرُ بِوَدِيعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) أَيْ لِأَنَّ الْمُودَعَ بِالْجُحُودِ يَصِيرُ غَاصِبًا ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُنْيَةِ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَهُ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُقْبَلُ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute