وَيُشَارِكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَلَا يُشَارِكُ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالْكَفَالَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ فَلَوْ فَعَلَا ذَلِكَ كَانَتْ عِنَانًا؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنَانٌ وَزِيَادَةٌ فَصَحَّتْ بِقَدْرِ مَا يَتَمَلَّكُهُ الْمَأْذُونُ وَهُوَ الْوَكَالَةُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَجِّرُ نَفْسَهُ) يَعْنِي الْمَأْذُونُ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يَرْهَنَهَا قُلْنَا الْإِذْنُ يَتَضَمَّنُ اكْتِسَابَ الْمَنَافِعِ، وَالْإِجَارَةُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَوْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الْإِذْنَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ وَغَصْبٍ الْوَدِيعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، وَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ مِنْهُ وَكَذَا بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَمِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ كَانَ شَرِيكُهُ مُطَالَبًا بِهِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَأَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ بِاعْتِبَارِ الشِّرَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْحَدُّ دُونَ الْعُقْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الْعُقْرِ فِي الْحَالِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهَا وَلَوَازِمِهَا وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ أَقَرَّ وَمَا بَعْدَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَرَّ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ وَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَمَا إذَا كَانَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ لِلْمَوْلَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ وَكَذَا لِعَبْدِ مَوْلَاهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يُلَاقِ حَقَّ أَحَدٍ وَقَدْ يُفِيدُ الْمَوْلَى فَائِدَةً إذَا لَحِقَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمِثْلُهُ لَوْ أَقَرَّ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ الْمَحْجُورِ وَلَوْ أَقَرَّ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ الْمَأْذُونِ بِدَيْنٍ إنْ كَانَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَوْلَى وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِلْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ وَلَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ صَحَّ كَانَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَعَلَى عَبْدِ مَوْلَاهُ أَوْلَى وَلَوْ أَقَرَّ لِابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ لِأَبِيهِ بِوَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ صُدِّقَ وَلَوْ أَقَرَّ لِابْنِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِمُكَاتَبِ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوَّلًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَصِحُّ وَبَيَانُ الدَّلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَذْكُورٌ فِيهِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ لِغَيْرِ الْمَوْلَى فَهُوَ صَحِيحٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ فِي الِاقْتِصَاصِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ بَدَأَ بِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ مِنْ عُقْرِهَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُقْرِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَفِي ضَمَانِ الْجِنَايَةِ لَا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ حُرِّيَّةٍ طَارِئَةٍ لِلْحَالِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهَا وَمَتَى أَقَرَّ بِحُرِّيَّةٍ أَصْلِيَّةٍ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ بِإِقْرَارِهِ بَلْ مُضَافَةٌ إلَى الذَّاتِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَلَوْ أَمَةً لَمْ يُصَدَّقْ وَيَبِعْهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةٍ طَارِئَةٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ مِنْ الْبَائِعِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِإِنْشَاءِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهَا وَيُصَدَّقُ الْعَبْدُ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَقْضَ الْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنِّي صُدِّقَ وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَأْبَى الْيَمِينَ أَوْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَوْ يُصَدِّقَهُ وَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ إذَا أَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاقَضُ وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ إذَا أَقَرَّ مُطْلَقًا وَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ.
[بَاعَ الْمَأْذُونُ عَبْدَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي إنَّهُ حُرٌّ وَصَدَّقَهُ الْمَأْذُونُ]
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ عَبْدَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي إنَّهُ حُرٌّ وَصَدَّقَهُ الْمَأْذُونُ لَا يُصَدَّقُ وَنَفَذَ عِتْقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ أَوْ غَيْرُ الْمَدْيُونِ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ خَالَفَ فِيهَا، فَإِنْ كَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ وَقَالَ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ إذْنِك لَمْ يُصَدَّقْ الْعَبْدُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلَزِمَهُ كُلُّهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ لَزِمَهُ الْغَصْبُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ تَمْنَعُهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ ثُمَّ حَجَرَ ثُمَّ أَذِنَ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا حُرًّا فَقَالَ اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ فِي حَالِ إذْنِي الْأَوَّلِ لَزِمَهُ كُلُّهُ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْإِذْنِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ وَلَوْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ وَلَا مَالَ فِي يَدِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَالِ إذْنِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى سُئِلَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، فَإِنْ قَالَ كَانَ حَقًّا لَزِمَهُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ بَاطِلًا تَأَخَّرَ حَتَّى يُعْتَقَ وَمِثْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute