لَا تَكُونُ إلَّا خَلْفَهُ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يُقِيمُ الرَّجُلَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا، وَإِنْ كَانَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ أَقَامَ الرَّجُلَيْنِ خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ الرَّجُلَيْنِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا» وَهُوَ دَلِيلُ الْأَفْضَلِيَّةِ وَمَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّهُ تَوَسَّطَهُمَا فَهُوَ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ رَجُلَانِ فَإِمَامُهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَقَدَّمَ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا أَنَّهُ أَقَامَ عَلَى مَيْمَنَةِ الصَّفِّ أَوْ عَلَى مَيْسَرَتِهِ أَوْ قَامَ فِي وَسَطِ الصَّفِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي النُّقَايَةِ لَكَانَ أَوْلَى وَالزَّائِدُ خَلْفَهُ لِشُمُولِ الزَّائِدِ الِاثْنَيْنِ وَالْأَكْثَرَ
وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَجَاءَ ثَالِثٌ وَجَذَبَ الْمُؤْتَمَّ إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الثَّالِثُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْقَدَمِ لَا لِلرَّأْسِ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَقْصَرَ مِنْ الْمُقْتَدِي تَقَعُ رَأْسُ الْمُقْتَدِي قُدَّامَ الْإِمَامِ يَجُوزُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا بِقَدَمِهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا قَلِيلًا وَكَذَا فِي مُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَقْدَامُ صِغَرًا وَكِبَرًا فَالْعِبْرَةُ بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ وَالْأَصَحُّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَكْثَرُ قَدَمِ الْمُقْتَدِي لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ جَاءَ وَالصَّفُّ مُتَّصِلٌ انْتَظَرَ حَتَّى يَجِيءَ الْآخَرُ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ جَذَبَ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْذِيهِ، وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ خَلْفَ الصُّفُوفِ جَازَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَامَ خَلْفَ الصَّفِّ فَدَبَّ رَاكِعًا حَتَّى الْتَحَقَ بِالصَّفِّ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَا أَبَا بَكْرَةَ زَادَك اللَّهُ حِرْصًا فِي الدِّينِ» ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يُكَبِّرَ أَوَّلًا ثُمَّ يَجْذِبُهُ، وَلَوْ جَذَبَهُ أَوَّلًا فَتَأَخَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ هُوَ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الَّذِي تَأَخَّرَ ذَكَرَهُ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي نَظْمِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا إجَابَةٌ بِالْفِعْلِ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِجَابَةِ بِالْقَوْلِ، وَلَوْ أَجَابَ بِالْقَوْلِ فَسَدَتْ كَمَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْقِيَامُ وَحْدَهُ أَوْلَى فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى الْعَوَامّ.
(قَوْلُهُ وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَلِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفْسِدَةٌ فَيُؤَخَّرُونَ، وَلِيَلِنِي أَمْرُ الْغَائِبِ مِنْ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حُلْمٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ أُرِيدَ بِهِ الْبَالِغُونَ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْحُلُمَ سَبَبُ الْبُلُوغِ، وَالنُّهَى جَمْعُ نُهْيَةٍ وَهِيَ الْعَقْلُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَنَاثَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ لِنُدْرَةِ وُجُودِهِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ يَقُومُ الرِّجَالُ صَفًّا مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ الصِّبْيَانُ بَعْدَهُمْ ثُمَّ الْخَنَاثَى ثُمَّ الْإِنَاثُ ثُمَّ الصَّبِيَّاتُ الْمُرَاهِقَاتُ، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ. قِيلَ وَلَيْسَ هَذَا التَّرْتِيبُ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ بِحَاصِرٍ لِجُمْلَةِ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ فَإِنَّهَا تَنْتَهِي إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا وَالتَّرْتِيبُ الْحَاصِرُ لَهَا أَنْ يُقَدَّمَ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ، ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ، ثُمَّ الْحَرَائِرُ الصِّغَارُ، ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ، ثُمَّ الْإِمَاءُ الصِّغَارُ اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا تَقْدِيمُ الرِّجَالِ عَلَى الصِّبْيَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا فَإِنَّ الصَّبِيَّ الْحُرَّ وَإِنْ كَانَ لَهُ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا قُرْبُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ نَعَمْ يُقَدَّمُ الْبَالِغُ الْحُرُّ عَلَى الْبَالِغِ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَبْدِ وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْأَمَةِ الْبَالِغَةِ وَالصَّبِيَّةُ الْحُرَّةُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الْأَمَةِ لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا حُكْمَ مَا إذَا صَلَّى وَمَعَهُ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالصَّبِيِّ وَيَكُونَانِ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّ الصَّبِيَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُنْفَرِدًا عَنْ
ــ
[منحة الخالق]
[وُقُوف الْمَأْمُومِينَ فِي الصَّلَاة خَلْف الْإِمَام]
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي تَوَسُّطِهِ الصَّفَّ تَنْزِيهِيَّةٌ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْلَى فَيَنْبَغِي وَاَلَّذِي فِي النَّهْرِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ قَالَ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي وَجْهِ كَرَاهَةِ إمَامَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسْطَ الصَّفِّ (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ خَلْفَهُ) هُوَ الَّذِي فِي النُّقَايَةِ وَقَوْلُهُ لِشُمُولِ الزَّائِدِ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقَدُّمُهُ عَلَى مَا زَادَ بِالْأَوْلَى اهـ.
وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا بِقَدَمِهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا قَلِيلًا) أَقُولُ: أَفْرَدَ الْقَدَمَ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ تُعْتَبَرُ بِوَاحِدَةٍ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى قَدَمٍ وَاحِدَةٍ فَالْعِبْرَةُ لَهَا وَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُحَاذِيَةً وَالْأُخْرَى مُتَأَخِّرَةً فَلَا كَلَامَ فِي الصِّحَّةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْأُخْرَى مُتَقَدِّمَةً فَهَلْ يَصِحُّ نَظَرًا لِلْمُحَاذِيَةِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْمُتَقَدِّمَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَقَدْ رَأَيْت فِيهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ اخْتِلَافَ تَرْجِيحٍ.
(قَوْلُهُ لِيَلِنِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute