للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا قَالُوا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ يُصَلُّ لَمَّا أَنْ زَعَمَ الْإِمَامُ أَنَّ صَلَاتَهُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ حِينَئِذٍ بِنَاءُ الْمَوْجُودِ عَلَى الْمَعْدُومِ فِي زَعْمِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ اهـ.

وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ

وَأَيْضًا يَنْبَغِي حَمْلُ حَالَ الْإِمَامِ عَلَى التَّقْلِيدِ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ فَيَتَّحِدُ اعْتِقَادُهُمَا وَإِلَّا لَزِمَ مِنْهُ تَعَمُّدُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَهُوَ حَرَامٌ إلَّا أَنْ تُفْرَضَ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلِمَ بِهِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ) شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّوَافِلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَاجِبِ فَذَكَرَ أَنَّهَا نَوْعَانِ سُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ فَالْأَوَّلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا عَدَا الْجُمُعَةِ ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَذَكَرَهَا كَمَا فِي الْكِتَابِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّيهَا وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْهَا أَيْضًا «لَمْ أَرَهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَا صِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ» وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا الْعَالِمُ إذَا صَارَ مَرْجِعًا فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى فَتْوَاهُ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ اهـ.

وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْعَتَّابِيِّ مَنْ أَنْكَرَ سُنَّةَ الْفَجْرِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَفِي الْخُلَاصَةِ الظَّاهِرُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تُقْضَى إلَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» فَقَدْ وَجَدْتَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَالنَّهْيَ عَنْ تَرْكِهَا لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ

وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ هُنَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ يُجْزِئُهُ عَنْ رَكْعَتَيْ

ــ

[منحة الخالق]

فِي الْجُمْلَةِ وَالْقَوْلُ بِفَسَادِ الِاقْتِدَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَضْيَقُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُمْ هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَطْ اهـ.

وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ عِنْدَنَا لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَوَاشِي الدُّرَرِ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ رَأْيُ الْإِمَامِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَرَادَ بِهِ رَأْيَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مَعًا لَا رَأْيَ الْإِمَامِ فَقَطْ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اعْتِبَارِ رَأْيِ الْإِمَامِ لَا فِي اعْتِبَارِ رَأْيِ الْمَأْمُومِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ رَأْيِهِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَنَفِيُّ الْمُقْتَدِي إذَا رَأَى فِي ثَوْبِ الشَّافِعِيِّ الْإِمَامِ مَنِيًّا لَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمَنِيَّ نَجَسٌ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيِّ وَإِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً قَلِيلَةً يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الْقَلِيلَةَ مَانِعَةٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْمُعْتَبَرُ رَأْيُهُمْ. اهـ. وَلَكِنْ لِيُتَأَمَّلَ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ تَجْوِيزِ الرَّازِيِّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا السَّلَامُ فِي اعْتِقَادِهِ مَعَ أَنَّهُ فِي رَأْيِ الْمُؤْتَمِّ قَدْ خَرَجَ فَلْيُحَرَّرْ.

[الصَّلَاة الْمَسْنُونَة كُلّ يَوْم]

(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا يَصِحُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ لَا وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلّ عَلَى وُجُوبِهَا وَقَدْ فَهِمَ بَعْضٌ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ اهـ.

قُلْت قَدْ مَرَّ عَدَمُ جَوَازِ صَلَاةِ الْوِتْرِ قَاعِدًا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِسُنِّيَّتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مِسْكِينٍ حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهَا وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ جَاحِدِ الْوِتْرِ إجْمَاعًا وَغَايَةُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَنْ تَكُونَ كَالْوِتْرِ فَكَيْفَ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجُحُودِ فِي جَانِبِ الْوِتْرِ جُحُودُ وُجُوبِهِ لَا أَصْلِهِ بِخِلَافِهِ فِي جَانِبِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جُحُودُ أَصْلِ السُّنَّةِ فَلَا تَنَافِي حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْوِتْرَ نَفْسَهُ يَكْفُرُ وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْوِتْرِ وَأَصْلَ الْأُضْحِيَّةِ كَفَرَ اهـ لَكِنْ يُنَافِيهِ ظَاهِرُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يَعْرُو عَنْ شُبْهَةِ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ جَحْدُ الْوُجُوبِ لَا أَصْلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ) لَا يَخْفَى أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ هِيَ مَا كَانَ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي قَرِيبًا فَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>