الْمُسْلِمَ إذَا خَدَمَ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَتْ خِدْمَتُهُ لَهُ أَمَانًا لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا)
الْغَنَائِمُ جَمْعُ غَنِيمَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَغْنَمُ وَالْغَنِيمُ وَالْغَنِيمَةُ وَالْغُنْمُ بِالضَّمِّ الْفَيْءُ، غَنِمَ بِالْكَسْرِ غُنْمًا بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ وَبِالتَّحْرِيكِ وَغَنِيمَةً وَغُنْمَانًا بِالضَّمِّ الْفَوْزُ بِالشَّيْءِ بِلَا مَشَقَّةٍ اهـ.
وَفِي الْمُغْرِبِ الْغَنِيمَةُ مَا نِيلَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْوَةٌ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَحُكْمُهَا أَنْ تُخَمَّسَ وَسَائِرُهَا بَعْدَ الْخُمُسِ لِلْغَانِمِينَ خَاصَّةً وَالْفَيْءُ مَا نِيلَ مِنْهُمْ بَعْدَ مَا تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَتَصِيرُ الدَّارُ دَارَ سَلَامٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُخَمَّسُ اهـ.
(قَوْلُهُ مَا فَتَحَ الْإِمَامُ عَنْوَةً قَسَمَ بَيْنَنَا أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ) أَيْ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ وَالْعَنْوَةُ الْقَهْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَالْقِسْمَةُ اتِّبَاعٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِخَيْبَرَ وَعَدَمُهَا اتِّبَاعٌ لِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ خَالَفَهُ وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِيَكُونَ عُدَّةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ قَيْدٌ بِالْأَرَاضِيِ لِأَنَّ فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فِيهِ وَفِي الْعَقَارِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ فِي الْمَنِّ إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ أَوْ مِلْكِهِمْ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُعَادِلُهُ وَالْخَرَاجُ غَيْرُ مُعَادِلٍ لِقِلَّتِهِ بِخِلَافِ الرِّقَابِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ رَأْسًا إمَّا بِالْعِوَضِ الْقَلِيلِ وَإِمَّا بِالْقَتْلِ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالْأَكَرَةِ الْعَامِلَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ، وَالْمُؤَنُ مُرْتَفِعَةٌ مَعَ أَنَّهُ يُخْطِئُ بِهِ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدُ، وَالْخَرَاجُ وَإِنْ قَلَّ حَالًا فَقَدْ جَلَّ مَآلًا وَهُوَ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ فَقَطْ وَقِسْمَةُ الْبَاقِي لِدَوَامِهِ وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِيِ يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الْعَمَلُ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ
(قَوْلُهُ وَقَتَلَ الْأَسْرَى أَوْ اسْتَرَقَّ أَوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارَ ذِمَّةٍ لَنَا) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ قَتَلَ وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَنْفَعَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ وَلَا يَكُونُونَ ذِمَّةً عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقَ لِأَنَّ قَتْلَهُ أَوْ وَضْعَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجُوزُ.
قَيَّدَ بِكَوْنِ الْخِيَارِ لِلْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغُزَاةِ أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرًا بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَقَدْ يَرَى
مَصْلَحَةَ
الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِرْقَاقِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَاتَ عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَتَلَ بِلَا مُلْجِئٍ بِأَنْ خَافَ الْقَاتِلُ شَرَّ الْأَسِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُ إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ مَقْصُودِهِ وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ بِقَتْلِهِ شَيْئًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقَامُوسِ الْأَسِيرُ الْأَخِيذُ وَالْمُقَيَّدُ وَالْمَسْجُونُ، وَالْجَمْعُ أُسَرَاءُ وَأُسَارَى وَأَسَارَى وَأَسْرَى (قَوْلُهُ وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى
ــ
[منحة الخالق]
[أَمَانُ ذِمِّيٍّ وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ وَعَبْدٍ وَمَحْجُورٍ فِي الْجِهَاد]
قَوْلُهُ: كَانَتْ خِدْمَتُهُ أَمَانًا لَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَكُونُ أَمَانًا لَهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ بَاقِي الْمُسْلِمِينَ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَاسْتَشْكَلَهُ تَأَمَّلْ.
[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]
(قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاتَّفَقَ الشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لَهُ لُغَةً لِأَنَّهَا مِنْ عَنَى يَعْنُو عُنُوًّا ذَلَّ وَخَضَعَ وَهُوَ لَازِمٌ وَقَهْرًا مُتَعَدٍّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فَتْحُ بَلْدَةٍ حَالَ كَوْنِ أَهْلِهَا ذَوِي عَنْوَةٍ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَهْرَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُطَّرِدِ إلَّا فِي أَلْفَاظٍ اشْتَهَرَتْ وَإِطْلَاقُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ فِي غَيْرِ التَّعَارِيفِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارَاتِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ فَإِنَّ عَنْوَةً اشْتَهَرَ فِي نَفْسِ الْقَهْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ تَعْرِيفًا اهـ.
وَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَا يَصْلُحُ دَافِعًا إلَّا إذَا كَانَ مَعْنًى لَهُ حَقِيقِيًّا لَا مَجَازِيًّا وَلَيْسَ فِي الْقَامُوسِ مَا يُعَيِّنُهُ وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ يَذْكُرُ الْمَعَانِيَ جُمْلَةً اهـ.
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَعْضِ ابْنَ حَجَرٍ الْمَكِّيَّ وَقَدْ قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّعْزِيرِ قُلْت لَكِنْ نُقِلَ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ عَنْ الْفَارَابِيِّ أَنَّهُ مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْقَهْرِ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ حَيْثُ قَالَ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً إذَا أَخَذَ الشَّيْءَ قَهْرًا وَكَذَا إذَا أَخَذَهُ صُلْحًا فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ وَفُتِحَتْ مَكَّةُ عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ فَقَطْ وَقِسْمَةُ الْبَاقِي) هَكَذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ قَوْلِهِ فَقَدْ جَلَّ مَآلًا وَفِي بَعْضِهَا عَقِبَ قَوْلِهِ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ الصَّوَابُ.