كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ فَعَلْت الثَّانِيَةَ وَعِنْدَنَا بِالْجَزَاءِ فَانْعَقَدَتْ إذْ الْجُمْلَةُ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا نَزَلَ اثْنَانِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ بِتَكْرِيرِ كُلَّمَا كَلَّمَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَانْحَلَّتْ بِالثَّانِيَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ وَلَغَتْ هِيَ بِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَفِي إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ إلَّا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ الشَّرْطُ إدْخَالُهَا فِي الْجَزَاءِ كَذَا فِي تَعْلِيق طَلَاقهَا وَمَدْخُولَة بِالْحَلِفِ بِطَلَاقِهِمَا إنَّمَا تَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ الثَّالِثَةُ أَنْعَقَدَتْ عَلَى الْمَدْخُولَةِ حَسْبُ فَكَانَتْ الثَّالِثَةُ شَطْرَ الشَّرْطِ وَذَا فِي حَقِّ الثَّالِثَةِ شَطْرٌ أَيْضًا فَلَا تَنْحَلُّ مَا لَمْ يَحْلِفْ بِطَلَاقِ الْمَدْخُولَةِ وَهِيَ الْبَرْدَعِيَّةُ اهـ.
يَعْنِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُلَقَّبُ بِالْبَرْدَعِيَّةِ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ البرادعي بَعْدَمَا تَفَقَّهَ وَدَرَسَ سُئِلَ عَنْهَا فَلَمْ يَهْتَدِ إلَى جَوَابِهَا فَارْتَحَلَ إلَى بَغْدَادَ وَتَعَلَّمَ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى صَارَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَقُيِّدَ بِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّ فِيهَا يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَثَلَاثًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِلتَّنْجِيزِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ ثَلَاثًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَصِلُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ آخِرًا بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثَلَاثًا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ ثَلَاثًا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ تَامٌّ بِنَفْسِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ تَنْجِيزًا فَصَارَ تَعْلِيقًا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.
(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)
قَدَّمَ الصَّرِيحَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ إذْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْأَفْهَامِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَنَى يَكْنُو إذَا سَتَرَ وَذَكَرَ الرَّضِيُّ أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ، وَالِاصْطِلَاحِ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَفْظًا كَانَ أَوْ مَعْنًى بِلَفْظٍ غَيْرِ صَرِيحٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إمَّا لِلْإِبْهَامِ عَلَى بَعْضِ السَّامِعِينَ كَقَوْلِك جَاءَنِي فُلَانٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ زَيْدًا وَقَالَ فُلَانٌ كَيْتَ وَكَيْتَ إبْهَامًا عَلَى بَعْضِ مَنْ يَسْمَعُ أَوْ لِشَنَاعَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ كَهُنَّ فِي الْفَرْجِ أَوْ لِلِاخْتِصَارِ كَالضَّمَائِرِ أَوْ لِنَوْعٍ مِنْ الْفَصَاحَةِ كَقَوْلِك فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ وَكَثِيرُ الْقِرَى أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي عِلْمِ
ــ
[منحة الخالق]
لَا يَحْنَثُ لَوْ اقْتَصَرَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْهَادُ زُفَرَ وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً لَنَزَلَ طَلْقَتَانِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ بِتَكْرِيرِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَانِيًا كُلَّمَا طَلَّقْتُك مُخَاطَبَةٌ لَهَا وَكَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ خِطَابٌ ثَانٍ.
فَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ انْحَلَّتْ بِوُجُودِ الثَّالِثَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يُصَادِفُهَا وَهِيَ مُبَانَةٌ فَتَلْغُوا الثَّالِثَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخَ: لَا يَنْحَلُّ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِكَلَامٍ مُبْتَدَأٍ وَإِلَيْهِ سَبَقَ وَهْمُ أَبِي حَنِيفَةَ حِينَ سَأَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي صِغَرِهِ عَمَّنْ قَالَ ثَلَاثًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك وَقَالَ يَا شَيْخُ اُنْظُرْ حَسَنًا فَقَالَ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحْسَنْت وَقَوْلُهُ: وَفِي إنْ حَلَفْت. . . إلَخْ أَيْ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ إلَّا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ يَتَعَلَّقُ بَعْدَ مِلْكِ النِّكَاحِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ لِأَنَّ شَرْطَ الِانْحِلَالِ هُنَا هُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا وَذَلِكَ بِإِدْخَالِهَا فِي جَزَاءِ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا فِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْكَلَامُ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَعْلِيقِ الرَّجُلِ طَلَاقَ امْرَأَتَيْهِ الْمَدْخُولِ بِهَا غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا بِالْحَلِفِ بِطَلَاقَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ لَهُمَا ثَلَاثًا: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقَيْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ إنَّمَا تَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ فِي حَقِّهِمَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْيَمِينَ الثَّالِثَةَ الَّتِي هِيَ شَرْطُ انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا انْعَقَدَ عَلَى الْمَدْخُولَةِ خَاصَّةً لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا وَذَلِكَ بِإِدْخَالِهِمَا فِي جَزَاءِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُمْكِنْ إدْخَالُ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ فِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا مَرَّ فَكَانَتْ الثَّالِثَةُ فِي حَقِّ انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ شَطْرَ الشَّرْطِ لَا كُلَّهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي انْحِلَالِ شَيْءٍ فَإِذَا عَلَّقَ بَعْدَهُ طَلَاقَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدُ بِشَرْطٍ آخَرَ كَمُلَ الشَّرْطُ فَتَطْلُقُ كُلَّ طَلْقَةٍ أُخْرَى مَعَ الَّتِي وَقَعَتْ بِانْحِلَالِ الْيَمِينِ الْأُولَى.
وَقَوْلُهُ: وَذَا إشَارَةٌ إلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ شَطْرٌ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الِانْحِلَالِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً إلَّا أَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا الْحَلِفُ بِطَلَاقَيْهِمَا وَقَدْ وُجِدَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ بَقِيَ لِتَمَامِ شَرْطِ انْحِلَالِ الثَّالِثَةِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولَةِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا فَلَا تَنْحَلُّ مَا لَمْ يَحْلِفْ بِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ ثَالِثَةً وَبِهَذَا أَعْنِي الْحَلِفَ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ وُجِدَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَيْهِمَا وَتَمَامُ شَرْطِ انْحِلَالِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَشَطْرُ شَرْطِ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا.
[بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute